يا شيعه من اين جئتم بزياره المزارات وفقه الزيارات للاضرحه والمقامات
الحمدُ لله مالك الملك ديَّان الدِّين مجيب الدَّاعين والمضطرِّين ومغيث المهمومين وصريخ المكروبين وهادي المضلِّين، وصلَّى الله على رسوله وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين
إحدى البدع التي تندرج تحتها آلاف البدع الأخرى والتي ابتُليت بها وتروج لها الشيعه وأنست بها وبدَّدَت فيها أعمارها وأموالها زيارات القبور والاهتمام البالغ بها
إنه مما لا شك فيه أن التردد والسفر لزيارات الأضرحة والمشاهد – بالصورة والمراسم التي تتم فيها اليوم - لا أساس لها في دين الإسلام المقدس، وهي قطعاً ليست من أحكام «ما أُنْزِلَ به الكتابُ وأُرْسِلَ به الرسولُ»
و لم يأتِ أيُّ نبيٍّ في شريعته بأحكامٍ حول زيارات المزارات والمشاهد،
كما أنه لم يشرع في أي دين من الأديان الإلهية الحقَّة عبادةٌ باسم زيارات للعتبات.والاضرحه والمقامات
والشاهد على هذا، الكتبُ السماويةُ الموجودةُ وعدمُ وجود مزارات للأنبياء الإلهيين الذين لا يُعَدُّونَ ولا يُحْصَوْنَ ولا لذراريهم. كما أنه لم تأت في كتاب الله المجيد وقرآنه الحميد أيُّ آيةٍ أو إشارة إلى تلك الأعمال وكل ما يوجد في هذا الصدد إشارة قد يستفاد منها، صراحةً أو كنايةً، ذمُّ التردُّد لزيارات القبور وهي قوله تعالى: ((ألهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)) التكاثر.
فإذا كانت زيارة مراقد الأولياء تتم أحياناً ابتغاء رضوان الله وبما يرضي الله، فإن أكثر ما تتم لأجله زيارات المراقد والأضرحة اليوم أمورٌ شركيَّةٌ نهى عنها الشارع وأعمالٌ ذمَّها الله سبحانه وتعالى توجبُ الحسرةَ والندامةَ يوم الحشر
ومن هنا نفهم لماذا كان التردّد إلى زيارات القبور مذموماً ومكروهاً شرعاً في بداية بعثة خاتم النبيين - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. و مما يدل بوضوح على ما قلناه: الجملةُ المتواترةُ «قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ»، فإذا استندَ مدَّعٍ إلى ما جاء في تتمة الحديث من قوله صلوات الله عليه وآله، بعد نهيه: «فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ»([1])،
من البديهي أن زيارة القبور التي تُذَكِّرُ الإنسانَ بالآخرةِ والموتِ مشروعة وممدوحة
ولكنها لا علاقةَ لها من قريبٍ ولا من بعيدٍ بتلك الزيارات وشد الرحال إلى الأضرحة الفخمة المزخرفة المزينة
بجميع أنواع زينات الدنيا من القبور المرتفعة الملبسة بأقشمة الحرير المذهَّبة، المسيَّجة بالفضَّة المعطَّرة، إلى القباب ورؤوس المآذن المطلية بالذهب، إلى الكريستال الفاخر والسجاد الثمين والشمعدانات الجميلة والثريات المتدلية الفخمة
بل مثل هذه الزيارات تذكّر الإنسان بالدنيا، إذْ فيها دافعٌ قويٌّ للانجذاب نحو حطام الدنيا وزينتها، وشدٌّ للنفس نحو متاعها، إضافة إلى ذلك فإن أمر الشارع في هذه المسألة ليس منحصراً بزيارة قبور المؤمنين بل يتساوى فيه زيارة قبور المؤمنين والكفار لأن كلا الزيارتين تذكِّران الإنسان بالموت والآخرة وتدعوه إلى العبرة من أحوال الغابرين، بشرط أن يكون القبر قبراً عادياً وليس بناءً شامخاً عظيماً ومزخرفاً
وبدايةً لا بد من توضيح عدة أمور في موضوع زيارة القبور ويجب علي لنسأل انفسنا ونبحث عن الدليل من القرءان والسنه اجابه لهذه الاساله:-
الأوَّل- هل أرواح العظماء من الأولياء والصالحين والأنبياء والشهداء توجد في جوف القبر أو فوقه أو في أطرافه وتشعر وتعلم بزوّار القبر أم لا؟
الثاني- إن لم تكن تلك الأرواح موجودة حول القبر أو لم تكن في الدنيا أصلاً فهل تطَّلع على زوَّارها وهي في عالمها الأخروي أم لا؟
الثالث- ولو فرضنا أنها مُطَّلعة على زوّارها هل الاموات تستجيب لطلبات زوّارها وتعود إلى الدنيا وتلبِّي حاجاتهم أم لا؟
الرابع- هل هناك فائدة من اطلاعها على آلام الناس وعذاباتهم ومصائبهم أم لا؟
وهل تسعد وتُسرّ الاموات بمديحها وتمجيدها وذكر فضائلها ومناقبها في نصوص الزيارات التي يقرؤها زُوَّارُها أم لا؟
وهل ترغب بأن يخضع الناس أمام قبرها ويخشعون مردِّدين أكثر ما يمكن من المدائح والإطراء أم لا؟
وهل يفيد مَن لا يملك الصبر والتقوى أن يثني على صبر أولئك العظماء وتقواهم أو هل يفيد من يبخل ببذل روحه وماله في سبيل الله ولا يكون مستعداً للجهاد في سبيل الدين أن يثني على جهاد أولئك العظماء وشهادتهم بأبلغ العبارات أم لا؟
وهل ينفعُ من لا يعلم عن دينه ما يكفي ولا علم له بكتاب الله وشريعته، مدحُه صاحب القبر لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أم لا ينفعه؟
الخامس- هل وظيفة الإنسان الثناء والتمجيد والمديح للأموات الماضين، وهل طلب الله من الإنسان مثل هذا العمل؟
وهل كُلِّفَ العباد بذكر حسنات الماضين أو سيئاتهم أم لم يُكَلَّفُوا بذلك؟
السادس- هل من سنة الأنبياء والأولياء تزيين القبور وتشييدها أو بناء القباب والأضرحة والمنارات وتعمير الأفنية والأروقة للمقابر ووقف البساتين والمنازل والأراضي والدكاكين للأموات وصرف ريعها على حفظ مقابرهم أم أن ذلك من سنن الظلمة الجبارين الطغاة؟!
لا بد من التذكير بوجوب رفض كل حديث يخالف القرآن أيّاً كان صاحبه كما أَمَرَنا بذلك الله ورسولُهُ ، أمّا إذا وافق الحديثُ القرآنَ الكريمَ فإننا نقبله ونضعه على رؤوسنا.لقد جعل الله تعالى قرآنه ميزاناً نفرّق به بين الحق والباطل وسماه لذلك بالفرقان فقال:
((تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)) [الفرقان:1]
كما اعتبر القرآن ميزاناً ومعياراً لمعرفة الصحيح من الخطأ فقال:
((الله الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)) [الشورى:17]،
كما اعتبره القول الفصل أي الذي يفصل بين الحقِّ والباطل فقال: ((إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ)) [الطارق:13]،
واعتبر القرآن أحسن التفاسير فقال:
((وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)) [الفرقان:33]،
واعتبره هداية للناس وبياناً واضحاً لهم فقال
: ((..أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الـْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...)) (البقرة:185)
و((هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ)) (آل عمران:138).
أما الأحاديث التي تدلُّ أيضاً على أن القرآن ميزانٌ لمعرفة الحقِّ من الباطل فهي كثيرةٌ ولكن لما كانت آيات القرآن ذاتها قد صرّحت بهذا المعنى بكل وضوح فهذا يغنينا عن ذكر الأحاديث في هذا الأمر، لذا سنكتفي بذكر ثلاثة أحاديث في ذلك نموذجاً:
في كتاب وسائل الشيعة (ج18:ص78) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا وَافَقَ كِتَابَ الله فَخُذُوهُ وَمَا خالَفَ كِتَابَ الله فَدَعُوهُ».
2- وفي الصفحة ذاتها من وسائل الشيعة نقلاً عن كتاب الكافي بسنده عن الإمام الصادقعليه السلام قال: «مَا لَمْ يُوَافِقُ مِنَ الحديثِ القرآنَ فَهُوَ زُخْرُفٌ».
3- وفي أصول الكافي (ج1: ص96) عن الإمام الرضا عليه السلام قال: «إذا كانت الرواياتُ مُخالِفَةً للقرآن كذَّبتُها».
بناء على ما ذُكر إذا أثبتنا بالبراهين والأدلة أن زيارات القبور والنذورات التي تُصرف لها مخالفة للقرآن الكريم،
والان ماذا قال سيدنا علي عن حال الأموات ومفارقتهم لعالم الدنيا
قال الإمام عليه السلام: «تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وحَشَدَةُ الإخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ ومُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ»، نهج البلاغة، الخطبة 83.
وقال: «فَهُمْ جِيرَةٌ لا يُجِيبُونَ دَاعِياً ولا يَمْنَعُونَ ضَيْماً ولا يُبَالُونَ مَنْدَبَةً إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا وإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا جَمِيعٌ وهُمْ آحَادٌ وجِيرَةٌ وهُمْ أَبْعَادٌ مُتَدَانُونَ لا يَتَزَاوَرُونَ»! نهج البلاغة، الخطبة 111.
وقال لأبنائه وسائر من حوله وهو يحتضر على فراش الموت: «أَنَا بِالأمْسِ صَاحِبُكُمْ وأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وغَداً مُفَارِقُكُمْ» نهج البلاغة، الخطبة 149.
يبدو أن مدعي التشيّع لا يقبلون كلام الإمام بل يعتبرونه حاضراً لديهم وحاضراً بشكل خاص في حرمه لذا يذهبون إلى لقائه من وقت إلى آخر!
وقال: «وأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً وأَمْوَالُـهُمْ مِيرَاثاً لا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ ولا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ ولا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ».نهج البلاغة، الخطبة 230.
وقف أمير المؤمنين (ع) يتأوَّه أمام قبر الزهراء عليها السلام
وقال:
ما لي وقفت على القبور مسلِّماً
قبر الحبيب فلم يَرُدَّ جوابي
أحبيبٌ ما لك لا تردُّ جوابَنا
أنسيت بعدي خُلَّةَ الأحباب؟
المجلسي، بحار الأنوار، ج47، ص 217. ونسبه إلى الديوان المنسوب إلى الإمام عليٍّ
هذا ما يقوله الإمام عليه السلام فكيف يتوقّع مُدَّعُو التشيُّع لهُ الإجابةَ من الإمام أو ابنه أو حفيده لمن وقف أمام قبره وقال: «أشهد أنك تسمع كلامي وتشهد مقامي... وتردّ جوابي؟!».
وقد نقل الرواة(المجلسي، بحار الأنوار، ج 65/ ص 130، وج 98 /ص 195 - 197، ناقلاً عن كتاب «بشارة المصطفى لشيعة المرتضى» لعماد الدين الطبري (525هـ)، وهو موجود فيه في ص 74 من طبعة النجف الأشرف الثانية سنة 1383هـ للكتاب)
أن «جابر بن عبد الله الأنصاري» ذهب بعد أربعين يوم من شهادة الحسين إلى زيارة قبره فسلّم عليه قائلاً:
يا حسين ثلاث مرات ثم قال: حبيبٌ لا يجيبُ حبيبَه. ثم قال: وأنَّى لك بالجواب وقد شَحَطَتْ أوداجُك على أثباجك(أوداجك: جمع وديج وهو وريد العنق، وشحطت أوداجك أي تقطعت عروق عنقك وتدفَّقت الدماء منها. وأثباجك: جمع ثبج: ما بين الكاهل إلى الظهر)،
وفُرِّقَ بين بدنك ورأسك! فأشهد أنك ابن النبيين، وابن سيد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة سيدة النساء.. الخ
أفلم يكن لـ «جابر» رضي الله عنه من العلم ما لمدعي التشيع في زماننا حتى يقول أن الإمام الحسين عليه السلام لا يجيبه.
هل ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام أن الزهراء عليها السلام لا تردُّ جوابه صحيح أم لا؟
نحن نقول إنه صحيح.
ومثال آخر عندما اعتقل أهل الكوفة «مسلم بن عقيل» وساقوه إلى دار الإمارة وأرادوا قتله قال: لديَّ وصيةٌ وخاطب عمر بن سعد فقال: وصيِّتي أن تخبروا الإمام الحسين عليه السلام عمّا جرى وتكتبوا له ألا يقترب من الكوفة!
فنسأل ألم يكن «مسلم» نائب الإمام الخاص، ألم يكن يعلم أن الإمام مطلع على كل الأمكنة ويجيب جميع الخلق أم أن مُدَّعي التشيع في زماننا يفقهون أكثر منه؟!
إذا رجع شخصٌ إلى أدعية الأئمَّة عليهم السلام المروية عنهم في «الصحيفة السجَّاديَّة» و«الصحيفة العلويَّة» وهي كتب أدعية أصيلة قويمة لا نكاد نجد فيها أيَّة عبارة تخالف القرآن، فإنه سيستغرب عندما يرى أن الأئمَّة الأطهار عليهم السلام يصرِّحون بعدم علمهم بأحوال أنفسهم يوم القيامة
وأنَّهم أنفسهم خائفون جداً من ذلك اليوم ويطلبون من الله دوماً السلامة والنجاة فيه، كما سيلاحظ من الجهة الأخرى أن أدعية الأئمة عليهم السلام تلك ساكتةٌ تماماً عن موضوع حياتهم في القبر أو عالم البرزخ أو عن اطَّلاعهم على أحوال الدنيا وليس فيها أيَّة إشارة إلى ذلك الأمر.
على كلِّ حال التقصير هو من الرواة الكذَّابين الذين قاموا بوضع الزيارات دون أن يكون لهم أيُّ معرفة بالقرآن ولا أيُّ اطلاعٍ على كلمات الأئمة عليهم السلام.
مسألة الزيارة في كتاب الله وسنة رسوله
من المسلَّم بِهِ أن زيارات مراقد الأنبياء والأولياء والصالحين للاستمداد من أصحابها وكل تلك الآداب والطقوس المفصَّلة التي نجدها في كتب الزيارات لا أصل لها في شرائع الأنبياء ولا في الكتب المنزَّلة أي التوراة والإنجيل والقرآن،
ولم يُشرع في الأديان الحقة مثل تلك العبادة ولم يُذكر في أي مصدر تاريخي أنه تم بناء قبة وضريح ومزارات على قبور الأنبياء الراحلين الذين بلغ عددهم 124 ألف نبيّ. كما لم يُذكر في كتب الأنبياء السابقين أيُّ شيء حول زيارة قبورهم أنفسهم أو قبور أولادهم. ودين الإسلام دين جميع الأنبياء كما قال تعالى:
((شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى)) [الشورى:13]، فلم يأت فيه أيضاً أمرٌ بالتردُّد إلى زيارات مراقد الأنبياء.
وفي القرآن الكريم سورة «التكاثر» المباركة التي ذمَّت المتكاثرين المتفاخرين على بعضهم الذين شغلهم التكاثر حتى زاروا القبور فقال الله تعالى لهم على سبيل التوبيخ: ((كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)) [التكاثر:3-4]،
وقد قال الإمام عليّ عليه السلام بعد تلاوته لهذه الآيات:
«أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقابِرَ يَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ وزَوْراً مَا أَغْفَلَهُ وخَطَراً مَا أَفْظَعَهُ لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ وتَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ أَفَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً
خَوَتْ وحَرَكَاتٍ سَكَنَتْ ولَأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً ولَأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ أَحْجَى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ وضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَةٍ ولَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ
تِلْكَ الدِّيَارِ الخَاوِيَةِ والرُّبُوعِ الخَالِيَةِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا فِي الأرْضِ ضُلالاً وذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً تَطَئُونَ فِي هَامِهِمْ وتَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ وتَرْتَعُونَ فِيمَا لَفَظُوا وتَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا وإِنَّمَا الأيَّامُ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ بَوَاكٍ ونَوَائِحُ عَلَيْكُمْ
أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ وفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وحَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوكاً وسُوَقاً سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلاً سُلِّطَتِ الأرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ
جَمَاداً لا يَنْمُونَ وضِمَاراً لا يُوجَدُونَ لا يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الأهْوَالِ ولا يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الأحْوَالِ ولا يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ ولا يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُيَّباً لا يُنْتَظَرُونَ وشُهُوداً لا يَحْضُرُونَ وإِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا وآلافاً فَافْتَرَقُوا ومَا عَنْ طُولِ
عَهْدِهِمْ ولا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وصَمَّتْ دِيَارُهُمْ ولَكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وبِالسَّمْعِ صَمَماً وبِالحَرَكَاتِ سُكُوناً»(نهج البلاغة، الخطبة رقم 221.).
لقد ابتدع الشيعه بدعاً كثيرة راجت ، منها قيامهم ببناء هذه القبور الذهبية والفضية ونذر النذورات لها ووقف الأوقاف عليها حيث تُصرف الأموال الطائلة من قوت هذا الشعب الفقير على تلك القبور، وهذا عمل نهى الله عز وجل عنه في
آيات عديدة كقوله تعالى: ((وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَالله لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ)) [النحل:56].
يجب أن نُفهم العوام أن الأولياء الذين رحلوا عن الدنيا ليسوا بحاجة لأن تُنذر إليهم النذور وتُوقف عليهم الأوقاف، أو أن تُرمى أوراق البنكنوت داخل أضرحتهم أو تُشترى لأجلهم الأعلام والعراضات والجنازير فكل ذلك إسراف لا يرضاه الشرع.
وأساساً لا يؤمن الإسلام بأي واسطة بين العبد وخالقه بل أمر الناس أن يستقيموا إلى الله أي يتجهوا إليه مباشرة ويطلبوا حوائجهم منه دون واسطة.
لقد ألغى الإسلام كل نوع من أنواع عبادة القبور وعبادة الأحجار وكل عبادة لغير الله تعالى، ولكن للأسف الشديد كما يطلب النصارى حوائجهم من المسيح عيسى بن مريم ومن أمه كذلك يطلب كثير من المسلمين
حوائجهم من النبي والأئمة والأولياء، فيجب على العلماء أن يعلِّموا الناس الأحاديث التي وردت حول تسوية القبور والنهي عن البناء عليها أو الكتابة عليها، وكذلك النهي عن تجصيصها والصلاة إليها أو الذبح عندها وما هو حكم الشرع في مثل هذه الأمور
الأحاديث المتعلِّقة ببناء القبور وتجديدها.
1- روى الشيخ الصدوق والشيخ الحُرّ العاملي صاحب «وسائل الشيعة» أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي قِبْلَةً وَلَا مَسْجِداً فَإِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لَعَنَ الْيَهُودَ حَيْثُ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»((((وسائل الشيعة، ج2، باب 65، ص887 ))))
بناء على هذا الحديث فإن جميع الروايات التي ذُكرت في كتب الزيارة والتي تقول اجعلوا قبر الإمام قبلة هي من وضع أشباه اليهود الذين افتروها على لسان الأئمة عليهم السلام.
2- وروى المحدِّث النوري في «مستدرك الوسائل» نقلاً عن العلامة الحليّ في كتابه «النهاية» رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول: «نَهَى النبيُّ أن يُجصّص القبرُ أو يُبْنَى عليهِ أو يُكْتَبَ عليه لأنَّه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميِّت إليه...((((مستدرك الوسائل، الطبعة الحجرية، ج1/ص127 ))))
3- وروى المحدِّث النوري أيضاً: «عن أمير المؤمنين (ع) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تتخذوا قبري عيداً ولا تَتَّخذوا قبوركم مساجدكم(في الأصل: مساجد)، ولا بيوتكم قبوراً...((((مستدرك الوسائل، الطبعة الحجرية، ج1/باب 55 من أبواب الدفن وما يناسبه، باب كراهة بناء المساجد عند القبور، ص132.))))»
.4- وروى الشيخ «الحرّ العاملي» في «وسائل الشيعة» عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال: «لا ترفعوا قبري أكثر من أربع أصابع مفرّجات((((وسائل الشيعة، ج2/باب 31 من أبواب الدفن858.
5- وجاء في ج22 من «بحار الأنوار» للعلامة المجلسي، وفي كُتُبٍ حديثيَّة موثوقة أن الإمام الصادق عليه السلام قال: «لا تشرب وأنت قائم ولا تَطُف بِقَبْرٍ ولا تَبُل في ماء نقيع(((وسائل الشيعة، ج10/باب 92 من أبواب المزار في كتاب الحج، وج1/ص241. وسفينة البحار، ج2/ص99)))
6- وروى «زيد بن علي بن الحسين» عليهم السلام عن جدِّه علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: «نهى رسول الله عن لحوم الأضاحي أن تدخروها فوق ثلاثة أيام..... ونهانا عن زيارة القبور((((مسند الإمام زيد، كتاب الحج، باب الأكل من لحوم الأضاحي ))).
7- الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أنا عند القلوب المنكسرة والقبور المندرسة (((((الحديث لا أصل له في المرفوع، وقد ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» ج2/ص 325، في التعليق على الحديث رقم 2836)))).
ولفظه فيه: ((أنا عند المنكسرة قلوبهم المندرسة قبورهم وما وسعني أرض ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن)).
فهذا الحديث يدلُّ على أن الحقّ جلَّ وعلا لا ينظر إلى القبور المزيَّنة المزخرفة والمجدَّدة والمحلّاة بالمرايا والذهب ويمقتها.
8- رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «قبر رسول الله محصّبٌ حصباء حمراء((( وسائل الشيعة، ج2/باب 37 من أبواب الدفن، ص 864.
9- وروى «عبد الرزاق الصنعاني» الذي كان من قدماء الشيعة، عن ابن طاووس: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قبور المسلمين أن يُبنى عليها أو تُجصَّص أو تُزرع، فإن خير قبوركم التي لا تُعرف»(المصنف لعبد الرزاق، ج3/ص506. ).
10- ونقل المرحوم آية الله «شريعت سنغلجي» رحمه الله عن كتاب «الذكرى» أن: «الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم سوّى قبر ابنه إبراهيم» ونقل أيضاً أن القاسم بن محمد قال: «رأيت قبر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والشيخين مسطّحة» ونقل أن قبور المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة كانت مسطّحة(توحيد عبادت (أي كتاب توحيد العبادة)، انتشارات دانش، ص149).
11- وروى الحرّ العاملي عن الإمام الصادق أنه قال: «لا تطيّنوا القبر من غير طينه»(((وسائل الشيعة، ج2/باب 16 من أبواب الدفن، ص 864.
12- وروى المحدِّث النوري عن علي بن أبي طالب عليه السلام: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يُزاد على القبر تراب لم يخرج منه»(مستدرك الوسائل، الطبعة الحجرية، ج1، باب 34 من أبواب الدفن، ص146.)
لاحظوا إلى أي حد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دقيقاً حتى أنه نهى أن يُزاد ولو مقدار قليل على تراب القبر، فما بالك بالفضة والجصّ وأحجار المرمر وغيرها من الأحجار الثمينة!
ولكن الشيعه ا لم تلق بالاً لهذه الأوامر بل أسرفت في تعمير قبور عظماء الدين ووصل الأمر إلى وضع الكذابين الغلاة رواية نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل تعمير القبور
ومن الأحاديث الشديدة التي يرتجف لها الإنسان والتي جاء فيها النهيُ الشديدُ والكراهةُ العظيمةُ لهذا العمل، ما رواه عطاء بن يسارعن النبي الأكرم أنه تضرّع إلى رب العزّة والجلال قائلاً:
«اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَناً» ثم قال: «لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»([2]).
1- ويدل عليه مضمون الحديث الذي رُوِيَ عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ والنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُورَ أنبيائِهِم مَسَاجِدَ (قالت عائشة): ولولا ذلك لأبرز قبره إلا أنه خشي أن يُتَّخَذَ مَسْجِداً»([3]).
2- مما يدل على ذلك أيضاً عدم اهتمام رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ وأصحابُه الأخيار بقبور الأنبياء والأولياء التي كانت موجودة في ذلك الزمن –سواءً كانت قبوراً واقعية أم موهومة مثل قبر سيدنا إسماعيل
وهاجر في مكة، وقبر سيدنا إبراهيم الخليل وسيدنا يوسف عليهما السلام في أرض فلسطين من بلاد الشام، وقبر سيدنا هود عليه السلام في اليمن، فلم يُرْوَ عنه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ زار أياً من تلك القبور.
كما إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ فقد أعزةً عليه في الدنيا, وكان من الممكن أن يجعل قبرهم مزاراً فلم يفعل، كقبر أم المؤمنين خديجة عليها السلام وقبور شهداء بدر وأحد، وقبور الصحابة الكبار
أمثال عثمان بن مظعون وغيرهم، والتي لم يُرْوَ أن أياً منها كان قبراً مبجلاً ومزاراً يتردد الناس إليه؟
وحتى قبور أبناء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ نفسه لم تتحول أبداً إلى مزارات يُطاف حولها،كما كان حال قبر إبراهيم ابن رسول الله في المدينة الذي لم يتحول إلى مزار، طبقاً لما رواه الشيخ الصدوق في كتابه «من لا يحضره الفقيه»، والكليني في «الكافي» حيث قالا:
«وَ فِي رِوَايَةِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام يَقُولُ: كَانَ عَلَى قَبْرِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَذْقٌ يُظِلُّهُ مِنَ الشَّمْسِ حَيْثُمَا دَارَتْ فَلَمَّا يَبِسَ الْعَذْقُ ذَهَبَ أَثَرُ الْقَبْرِ فَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ!(( من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق، ج 3/ص 473، والفروع من الكافي، ج3/ ص254. )))
فلو كان هناك استحباب لزيارة القبرٍ والطواف حوله لكان أولى الناس بذلك قبر ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لا أن نرى ذلك مندرساً لا يُعْرَف له أيُّ أثرٍ في زمن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذاته؟
وكذلك لم يكن قبر عمّ النبي حمزة سيد الشهداء عليه السلام مزاراً يُزَار(((( كما أن الإمام علي عليه السلام لم يأمر في عهد خلافته ببناء مزار وضريح للمرقد المطّهر لنبي الإسلام ولا لشهداء صدر الإسلام العظام. )))
وقد روت جميع التواريخ وكتب السير والطبقات بما في ذلك سيرة ابن هشام و«مغازي الواقدي» و«تفسير عليٍّ بن إبراهيم القميّ»، والمجلد السادس من «بحار الأنوار» للمجلسيّ
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ لمّا رأى جسد حمزة عليه السلام في سفح جبل أُحد عرياناً ومُـمَثَّلاً به
قال: «لَوْلَا أَنْ يُحْزِنَ ذَلِكَ نِسَاءَنَا، لَتَرَكْنَاهُ لِلْعَافِيَةِ - يَعْنِي السّبَاعَ وَالطّيْرَ - حَتّى يُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بُطُونِ السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ.»
((((ورد بهذا اللفظ في مغازي الواقدي: ج1/ص 289، وجاء في سيرة ابن هشام (ج2/ص 95) بلفظ «لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيّةُ، وَيَكُونَ سُنّةً مِنْ بَعْدِي لَتَرَكْته، حَتّى يَكُونَ فِي بُطُونِ السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْر ))))
بديهيٌّ أنه لو كان عمل الزيارة مطلوباً ومستحبّاً إلى تلك الدرجة التي يدّعيها القائلون بذلك، لما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ يرضى أبداً بترك جثمان عمه سيد الشهداء دون أن يجعل له قبراً يُزار.
9 - وردت أخبارٌ عديدة تنهى عن البناء على القبور أو تعميرها وتجصيصها، ومن الواضح تماماً أنه لم يَرِد في تلك الأخبار أي تمييزٍ بين قبور الأنبياء والأولياء وقبور عامة الناس، كما جاء في مستدرك الوسائل
(((( النوري الطبرسيّ، مستدرك الوسائل، كتاب الطهارة، أبواب الدفن، باب 79، ج1/ص148)))))
عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «أول عدل الآخرة، القبور لا يُعرف شريفٌ من وضيع». وقد جاءت مئات الأحاديث في هذا الباب في كتب المسلمين ولا يخفى أن النهي عن تعمير القبور إنما هو لأجل ألا تتحول إلى مزارات.
10 - ويؤكد حقيقة هذا المعنى - أي أن تعظيم القبور أمر مكروه نهى عنه الإسلام بشدة - تلك الأوامر التي أمر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ علياً عليه السلام وأمر بها عليٌ أبا الهياج الأسدي فقال - كما روى ذلك الكُلَيْنِيُّ في «الكافي» والبَرقيُّ في «المحاسن»
«عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - إلى المدينة فقال: لا تَدَعْ صُوْرَةً إلّا مَحَوْتَهَا ولا قَبْرَاً إلا سَوَّيْتَه...»
وفي روايةٍ أخرى لهما أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أن علياً عليه السلام قال: «أرسلني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - في هَدْمِ القبور وَكَسْرِ الصُّوَر((( الكُلَيْنِي، «كتاب الكافي»،
(ج6/ص528)، ح 14 ثم ح 11 على الترتيب. والمجلسي، بحار الأنوار ج76/ص286، وجاء من طرق أهل السنة بلفظ «أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ وَلَا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ» انظر سنن الترمذي، باب ما جاء في تسويه القبور )))))
.
وكذلك كل ما ورد في باب النهي عن تعمير وتجديد القبور، يدلُّ بوضوح تام على تلك الحقيقة، وذلك مثل ما جاء في كتاب «من لا يحضره الفقيه» للصدوق، وكتاب «المحاسن» للبرقيّ والمجلد 18 من بحار الأنوار للمجلسيّ أن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
«مَنْ جَدَّدَ قبراً أو مَثَّلَ مثالاً، فَقَدْ خَرَجَ عَنِ الإسْلامِ ((( الشيخ الصدوق، «من لا يحضره الفقيه» ج1/ص189، حديث رقم 579. وقد أورده المجلسي في بحار الأنوار، ج76/ص 285 - 286 (من الطبعة الجديدة))))).
ومن الواضح أنه لو كانت زيارات القبور والطواف بها وطلب الحوائج من أصحابها والتشفع بالأموات أمراً مطلوباً للشارع ومحبوباً في نظره لما أرسل نبيُّ الله وعليٌّ المرتضى - سلام الله عليهما - أشخاصاً بمهمة محدَّدة هي تخريب وهدم كل قبر مشرفٍ دون استثناء
ولما اعتبر القبور العامرة أمراً مرادفاً لعبادة الأوثان إلى حد قوله كما مرَّ «مَنْ جَدَّدَ قبراً أو مَثَّلَ مثالاً، فَقَدْ خَرَجَ عَنِ الإسْلامِ»،
كما ندرك هذه الحقيقة جيداً في زماننا هذا ونلمسه لمس الواقع.
إن هناك أحاديث وقرائن كثيرة أخرى تؤكد ما قلناه ونكتفي بالنماذج العشرة التي أوردناها. تلك عشرة كاملة حتي لا نطيل علي القارئ
([1]) هذا الحديث مقبول لدى الفريقين، كما جاء في «السنن الكبرى» للبيهقي(ج4، ص77): «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي فزوروها فانها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة فزوروا ولا تقولوا هجراً». ومثله ما جاء في كتاب «الذكرى» للشهيد الأول باختلاف يسير.
([2])روى الشيخ الصدوق في «علل الشرائع» بسنده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له الصلاة بين القبور؟ قال: «صلِّ في خلالها ولا تتخذ شيئاً منها قبلةً،
فإن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ) نهى عن ذلك وقال: ولا تتخذوا قبري قبلةً ولا مسجداً فإن الله تعالى لَعَنَ الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد!.» «علل الشرائع»/باب العلة التي من أجلها لا تتخذ القبور قبلة، (ج 2/ص 358)، وروى الصدوق نحوه أيضاً في كتابه «منلا يحضرهالفقيه» (ج1/ص 178) باختلاف يسير ومن طرق أهل السنة أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في مسنده/مسند أبي هريرة، وأخرجه ابن أبي شيبة في
مصنفه بسنده عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُصَلَّى له، اشْتَدَّ غضبُ اللهِ على قَومٍ اتخذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِم مَسَاجِدَ) المنصف لابن أبي شيبة: ج2/ص269
([3]) روى هذه الرواية ابن أبي شيبة في المصنف (ج2/ص269). هذا وقد ورد في مسند الإمام زيد (ص177، باب غسل النبي وتكفينه) عن حضرة أمير المؤمنين عليه السلام
أنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «اللَّحْدُ لنا والضريح لغيرنا.» (ومعنى ذلك أن الضريح كان لغير المسلمين كأهل الكتاب أو المشركين من أهل الجاهلية.).