اخي واختي ...السلام عليكم
إن دليل وجوب الخمس كما تعلم هو قوله تعالى: (( واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى)) [الأنفال : 41] .
والغنيمة هنا مطلق ما يغنمه المرء وما يكسبه من تجارة أو هبة أو بسبب الحرب الذي من خلاله يغنم على ممتلكات العدو ، والفيء هو الغنيمة من العدو دون حرب . هذا معنى الغنيمة .
فالغنيمة بمعنى الغنم والظفر والحصول على شيء ـ وقد أكد هذا المعنى الراغب الاصفهاني ـ وهو من علماء أهل السنة ـ بأن كل ما يحصل عليه من كسب ومن غيره في حرب أو غير حرب فهو غنم فقال : ((والغنم : إصابته والظفر به ، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدي وغيرهم . قال تعالى: (( واعلموا إنما غنمتم من شيء )) ، (( فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً )) [الأنفال : 69] والمغنم : ما يغنم وجمعه مغانم قال: (( فعند الله مغانم كثيرةٌ )) [النساء : 94] )). (مفردات ألفاظ القرآن للراغب الاصفهاني : 615) .
فالغنيمة ، هو مطلق حصول الإنسان على شيء من حرب أو غير حرب ، هذا ما يوافق القرآن ، وأهل اللسان ، وما خالفه لا يلتفت إليه ولا يسمع إلى قوله .
فالذين حصروا الخمس في غنيمة الحرب خالفوا ما عليه إطلاق المعنى وحصروه في غنائم الحرب من دون دليل ، بل خلاف القرآن و اجتهادٌ مقابل النص .
ثم إن الدليل مع من قال بإطلاق اللفظ على معنى الغنائم جميعاً في الحرب أو التجارة أو غيرها ، فلا يحتاج إلى دليل لإثبات ما ذهب إليه ، وسبب من ضيّق دائرة نطاق اللفظ ليحصرها على مورد واحد من موارد الغنيمة كانت دوافعه سياسية معروفة.
فأهل البيت (عليهم السلام) ومن تبعهم كانوا يشكلون قوة خطرف دائم على النظام ، وعلماء البلاط لا يفتون إلاّ بما يضمن مصالح النظام ودفع أي احتمال خطر يحيط بهم الآن أو مستقبلاً .
ولغرض إضعاف القوة الهاشمية الناشطة آنذاك ولغرض فرض حصار اقتصادي يوجب شل حركة الهاشميين أوّلوا الغنيمة إلى كل ما يكسبه المقاتل في الحرب وألغوا جميع معانيها الأخرى ، وبذلك عطّلوا عاملاً قوياً ومهماً في تنشيط الهاشميين وتفعيل تحركاتهم . هذا هو سبب حصر اللفظ على معنى واحد لا يستقيم
ان الشيعة تلتزم بتعميم الحكم المستفاد من الآية المذكورة بمعونة الروايات والأحاديث المتواترة الواردة من طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) , وهذا مما لا ريب فيه .
ثم قد يدعي أهل السنة باختصاص الآية بغنائم الحرب , ويلاحظ عليهم :
أولاً : إن هذا القول مخالف لاجماع أهل اللغة في معنى كلمة (( الغنيمة )) , فانهم يصرحون باشتمالها على كل ما ظفر به من الفوائد والأرباح والمكاسب وغنائم الحرب . وعليه , فصرف معنى الكلمة عن ظهورها وحصره في غنيمة الحرب يحتاج إلى دليل عقلي أو نقلي , وكلاهما مفقودان في المسألة .
ثانياً : ورد في بعض الأحاديث في المصادر السنية في تخميس موارد ليست من غنائم الحرب , فجاء أنه (( في الركاز الخمس )) [ البخاري / كتاب الزكاة / ب 66 , ح 1499 ـ مسلم / 3/1334 , كتاب الحدود , ح 45 ـ ابو داود / كتاب الخراج والامارة , ح 3085 ـ الترمذي 3/652 , كتاب الاحكام , ب 37 , ح 1377 ـ ابن ماجة 2/839 , كتاب اللقطة , ب 4 , ح 925 ـ احمد 1/314 ـ الدارمي 2/196 ـ الحاكم 2/65 ـ الحميدي 2/272 , ح 597 , وغيرها ] , مما يؤيد عدم انحصار قانون الخمس في غنائم الحرب فحسب .
ثالثاً : هناك من يرى من أعلام السنة وجوب الخمس في غير غنائم الحرب من الكنز وغيره , فمثلاً ينسب البخاري الى الحسن وجوب الخمس في العنبر واللؤلؤ [ البخاري / كتاب الزكاة , ب 65 , ح 1498 ] , ونقل بعضهم وجوب الخمس في المعدن عن عدة منهم أبي حنيفة والزهري وأصحاب الرأي [ المجموع , شرح المهذب للنووي 6/67 ] .
رابعاً : وأخيراً نرى بعض الاعلام من أهل السنة كابن حزم يعتمد على نفس الآية المذكورة في استدلاله لوجوب الخمس في الكنز [ المحلى 7/238 , م 948 , ط بيروت ] , وهذا إنما يدل على التزامه باطلاق الآية , أي أنه يعتقد بأن آية الغنيمة لا تختص بغنائم الحرب , بل وتعم كافة الاكتسابات والفوائد .