صفـــات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها .
فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا مادل الكتاب والسنة على ثبته
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى " لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله , لا يتجاوز القرآن والحديث"
لدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه :-
الأول : التصريح بالصفة كالعزة والقوة والوجه واليد وغيرها
الثاني : تضمن الإسم لها , مثل : الغفور متضمن للمغفرة , والسميع متضمن للسمع ونحو ذلك
الثالث : التصريح بفعل أو وصف دال عليها كالاستواء على العرش , والنزول إلى السماء الدنيا , و المجيء للفصل بين العباد
الدال عليها قوله تعالى " الرحمن على العرش استوى "
قوله صلى الله عليه وسلم " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا "
قوله تعالى " وجاء ربك والملك صفًا صفا "
......................................
انقسم الناس في صفات الله تعالى إلى ثلاثة أقسام :~
القسم الأول : من جعلوا الظاهر المتبادر منها معنى حقًا يليق بالله - عز وجل 0 وأبقوا دلالتها على ذلك
وهؤلاء هم السلف الذين اجتمعوا على ماكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه , والذين لايصدق لقب أهل السنة والجماعة إلا عليهم .
وقد اجمعوا على ذلك , كما نقله ابن عبد البر فقال " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة
والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز , إلا أنهم لا يكيفون شيء من ذلك , ولا يحدون فيه صفة محصورة"
و هذا هو المذهب الصحيح والطريق الحكيم وذلك لوجهين :
الأول : انه تطبيق تام لما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب الأخذ بما فيهما من أسماء الله وصفاته كما يعلم ذلك من تتبعه بعلم وإنصاف .
الثاني : أن يقال : إن الحق إما فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم , والثاني الصحابة والتابعين لهم بإحسان تكلموا بالابطل تصريحًا أو ظاهرًا
ولم يتكلموا مرة واحدة لا تصريحًا ولا ظاهرًا بالحق الذي يجب اعتقاده .
وهذا يستلزم أن يكونوا إما جاهلين بالحق وإما عالمين به ولكن كتموه , وكلاهما باطل , وبطلان الازم يدل على بطلان الملزوم
فتعين أن يكون الحق فيما قاله السلف دون غيرهم .
القسم الثاني : من جعلوا أن الظاهر المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلا لا يليق بالله وهو التشبيه
وأبقوا دلالتها على ذلك ,
وهؤلاء هم المشبهة ومذهبهم باطل محرم من عدة أوجه :
الأول أنه جناية على النصوص وتعطيل لها عن المراد بها ,
فكيف يكون المراد بها التشبيه والله تعالى يقول " ليس كمثله شيء "
الثاني : أن العقل دل على مباينة الخالق للمخلوق في الذات والصفات فكيف يحكم بدلالة النصوص على التشابه بينها ؟
الثالث : أن هذا المفهوم الذي فهمه المُشبهه من النصوص مخالف لما فهمه السلف منها فيكون باطلاً.
فإن قال المشبهة أنا لا أعقل من نزول الله تعالى لم يخاطبنا إلا بما نعرفه ونعقله .
فجوابه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الذي خاطبنا بذلك هو الذي قال عن نفسه " ليس كمثله شيء " ونهى عباده أن يضربوا له الأمثال
أو يجعلوا له انداد " فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون "
وقال " فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون "
وكلامه تعالى كله حق يصدق بعضه بعضا
ثًانيها : أن يقال له :ألست تعقل لله ذاتًا لا تشبه الذوات !؟
فسيقول : بلا ! فيقال له : فلتعقل له صفات لا تشبه الصفات , فإن القول في الصفات كالقول في الذات
ومن فرق بينهما فقد تناقض ّ!
ثالثها : أن يقال : ألست تشاهد في المخلوقات مايتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية ؟ فسيقول بلى !
فيقال له : إذا عقلت التباين في المخلوقات في هذا , فلماذا لا تعقله بين الخالق والمخلوق ! مع أن التباين بين الخالق والمخلوق أعظم ,
بل التماثل مستحيل بين الخالق والمخلوق .
القسم الثالـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــث :
من جعلوا المعنى المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلاً , لا يليق بالله وهو التشبيه ,
ثُم إنهم من ذلك أنكروا مادلت عليه من المعنى الائق بالله , وهم أهل التعطيل , سواء كان تعطيلهم عامًا في الأسماء والصفات
أو خاصًا فيهما , أو في احداهما ,
فهؤلاء صرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معاني عينوها بعقولهم , واضطربوا في تعيينها اضطرابًا كبيرًا
وسموا ذلك تأويلاً وهو في الحقيقة تحريــــــــــــــــف .
ومذهبهم بـــــــــــــــــــــــــــــاطل من عدة وجوه :
أحدها : أنه جناية على النصوص حيث جعلوها دالة على معنى باطل غير لائق بالله ولا مراد له .
الثاني : أنه صرف لكلام الله تعالى ولكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عن ظاهره ,
والله تعالى خاطب الناس بلسان عربي مبين ليعقلوا الكلام ويفهموه على ميقتضيه هذا اللسان العربي ,
والنبي صلى الله عليه وسلم خاطبهم بأفصح لسان البشر .
فوجب حمل كلام الله ورسوله على ظاهره المفهوم بذلك اللسان العربي, غير أنه يجب أن يصان عن التكييف والتمثيل في حق الله تعالى .
الثالث :أن صرف كلام الله ورسوله عن ظاهره إلى معنى يخالفه قول على الله بلا علم وهو محرم
لقوله تعالى " قُل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تُشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا
وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون "
وقوله تعالى " ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا "
فالصارف لكلام الله -تعالى- ورسوله عن ظاهره إلى معنى يخالفه قد قفا ماليس له به علم .
وقال على الله مالم يعلم من وجهين :
الأول : انه زعم أنه ليس المراد بكلام الله ورسوله كذا . مع أنه ظاهر الكلام !
الثاني : أنه زعم أن المراد به كذا لمعنى آخر لا يدل عليه ظاهر الكلام .
مثـــــــــــــــــــــال :
قوله تعالى لإبليس :" مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي "
فإذا صرف الكلام عن ظاهره وقال : لم يرد باليدين اليدين الحقيقيتين وإنما أراد كذا وكذا .
قلنا له : مادليلك على مانفيت وعلى ما أثبتت ؟
فإن أتى بدليل - وأنا له ذلك !- وإلا كان قائلاً على الله بلا علم في نفيه وإثباته .
الوجه الرابع في إبطال مذهب أهل التعطيل :
أن صرف النصوص عن ظاهرها مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها .
فيكون باطلاً , لأن الحق بلا ريب فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة .
الوجه الخامس :
أن يقال للمعطل : هل أنت أعلم بالله من نفسه ؟!
فسيقول : لا !
ثم يقال له : هل ما أخبر الله عن نفسه صدق و حق ؟
فسيقول : نعم .
فيقال له : هل تعلم كلامًا أفصح وأبين من كلام الله -تعالى- ؟
فسيقول : لا
فيقال له : هل تظن أن الله تعالى أراد أن يعمي الحق على الخلق في هذه النصوص ليستخرجوه بعقولهم ؟
فسيقول : لا
إذا كُنت كذلك فلماذا لايكون عندك الإقدام والشجاعة في إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم
على حقيقته وظاهره الائق بالله ؟
وكيف يكون عندك الإقدام والشجاعة على في نفي حقيقته تلك , وصرفه إلى معنى يخالف ظاهره بغير علم ؟!
وماذا يضرك إذا أثبت لله تعالى ما أثبته لنفه و نفيت مانفاه عن نفسه ؟ أليس هذا اسلم لك وأقوم لجوابك إذا سُئلت يوم القيامة ؟
أكتفي بهذا وسأكمل في وقت آخر بإذن الله
سُبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك