اجبرتيني ان ارد عليك لاخر مره
ان الموضوع برمته محاولة لتبراة عمر من اقتحام بيت فاطمه وترويعها وترويع الحسنان
اما بخصوص الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر لم يثبت، وطريقه من الزبير بن بكار، ولم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متَّهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام وغير مأمون، والحديث نفسه مختلف، فتارة يروى أن أمير المؤمنين تولى العقد له على ابنته، وتارة يروى عن العباس أنه تولى ذلك عنه، وتارة يروى أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروى أنه كان عن اختيار وإيثار، ثم بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولداً سماه زيداً، وبعضهم يقول: إن لزيد بن عمر عَقِباً.
ومنهم من يقول: إنه قُتل ولا عَقِب له.
ومنهم من يقول: إنه وأمّه قُتلا.
ومنهم من يقول: إن أمّه بقيت بعده.
ومنهم من يقول: إن عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألف درهم.
ومنهم من يقول: مهرها أربعة آلاف درهم.
ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم. وهذا الاختلاف مما يبطل الحديث.
ثم إنه لو صحَّ لكان له وجهان لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدِّمين على أمير المؤمنين عليه السلام :
أحدهما: أن النكاح إنما هو على ظاهر الإسلام الذي هو الشهادتان، والصلاة إلى الكعبة، والإقرار بجملة الشريعة، وإن كان الأفضل مناكحة من يعتقد الإيمان، ويكره مناكحة من ضم إلى ظاهر الإسلام ضلالاً يخرجه عن الإيمان، إلا أن الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الإسلام زالت الكراهة من ذلك، وأمير المؤمنين عليه السلام كان مضطراً إلى مناكحة الرجل، لأنه تهدده وتواعده، فلم يأمنه على نفسه وشيعته ، فأجابه إلى ذلك ضرورة، كما أن [مع] الضرورة يشرع إظهار كلمة الكفر، وليس ذلك بأعجب من قول لوط ( هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) ، فدعاهم إلى العقد عليهم لبناته وهم كفّار ضلاّل، قد أذن الله تعالى في هلاكهم ، وقد زوَّج رسول الله (ص) ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام، أحدهما عتبة بن أبي لهب، والآخر أبو العاص بن الربيع، فلما بُعث (ص) فرَّق بينهما وبين ابنتيه .
أقول: بعد ورود النصوص الصحيحة الدالة على وقوع هذا الزواج، لا مناص من التسليم بوقوعه تبعاً لصريح النصوص،
والأصل في الجواب هو أن ذلك وقع على سبيل التقية والاضطرار، ولا استبعاد في ذلك، فإن كثيراً من المحرَّمات تنقلب عند الضرورة وتصير من الواجبات، على أنه ثبت بالأخبار الصحيحة أن أمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم السلام كانوا قد أخبرهم النبي (ص) بما يجري عليهم من الظلم، وبما يجب عليهم فعله عند ذلك، فقد أباح الله تعالى له خصوص ذلك بنص الرسول (ص)، وهذا مما يسكّن استبعاد الأوهام، والله يعلم حقائق أحكامه وحُجَجه عليهم السلام