[size="5"]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
نشوء الفتنة :[/size][size="5"]
بذور الفتنة : السبب الرئيسي ، رجل يقال له عبد الله بن سبأ : و شهرته ابن السوداء لأن أمه كانت سوداء من الحبشيات . و هو من صنعاء و كان يهودياً من يهود اليمن . أظهر الإسلام و باطنه الكفر ، ثم انتهج التشيع لعلي رضي الله عنه ، و هو الذي تنسب إليه فرقة السبئية الذين قالوا بألوهية علي و خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة منهم تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح و السنن و المساند
فلما رأى هذا الرجل أن أمر الإسلام بدأ ينتشر بهذه الصورة و بدأ يظهر ، رأى أن هذا الأمر ليس له إلا فتنة من داخله ، و كان بمنتهى الخبث ، فأول ما بدأ ، بدأ بالمدينة ، و كانت المدينة يومها ملأى بالعلماء ، فدُحر بالعلم ، كلما رمى شبهة رُد عليها ، فمن شبهه أنه أظهر بعض العقائد اليهودية ، مثل القول بالرجعة ؛ أي رجعة الرسول صلى الله عليه وسلم و استدل بقوله تعالى :{ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} (القصص 85) ، و ذكر تعجبه للناس ممن يصدق برجعة عيسى عليه السلام و يكذب برجعة محمد صلى الله عليه وسلم ، و ما كان قوله هذا إلا وسيلة للوصول إلى ما هو أكبر من ذلك ، حيث قال بعد ذلك برجعة علي رضي الله عنه و أنه سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً
و للرد عليهم أشير إلى أن الآية التي استدل بها السبئية دليل عليهم.ومن أقوال ابن سبأ أيضاً القول بالوصية و الإمامة . يقول الشهرستاني في الملل و النحل (1/174) : إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي .ويذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (4/435) : أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق و أظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة و النص عليه ، و ادّعى العصمة له .و من المحدثين الشيعة الذين ذكروا فكرة الوصي ، محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ) في كتابه الكافي في الأصول ، حيث أورد النص التالي : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، و لن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه و آله ، و وصية علي عليه السلام . أنظر : السنة و الشيعة لإحسان إلهي ظهير (ص54 ) .و هذا الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعد مصداقاً لما جاء في كتاب السنة لابن أبي عاصم بسند صحيح على شرط الشيخين (2/476-477) ،حيث أخرج من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ليحبني قوم حتى يدخلوا النار فيِّ ، و ليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي . وقد علق الشيخ الألباني على هذا الحديث قائلاً : و اعلم أن هذا الحديث موقوف على علي بن أبي طالب ، و لكنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من الغيب الذي لا يعرف بالرأي
و خلاصة ما جاء به ابن سبأ ، أنه أتى بمقدمات صادقة و بنى عليها مبادئ فاسدة راجت لدى السذّج و الغلاة و أصحاب الأهواء من الناس ، و قد طرق باب القرآن يتأوّله على زعمه الفاسد ، كما سلك طريق القياس الفاسد في ادعاء إثبات الوصية لعلي رضي الله عنه بقوله : إنه كان ألف نبي ، و لكل نبي وصي ، و كان علي وصي محمد ثم قال : محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء . تاريخ الطبري ( 4/340) من طريق سيف بن عمر .
هنا ابن سبأ لما لم يستطع أن يكسب شخصاً واحداً توجه نحو الشام ، و كانت الشام وقتها يحكمها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فلما توجه إليها لم يستطع أن يكسب و لو رجلاً واحداً إلى صفه ، فترك الشام و توجه نحو الكوفة و إذ هي تموج بالفتن ، و مكاناً خصباً لبث شبهاته . لذلك كان عمر رضي الله عنه ولى عليها المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، حيث كان من أشد الناس ففي أيام عمر ما استطاعت أن تبرز في الكوفة فتنة ، و لما تولى عثمان الخلافة عزل المغيرة و عين بدلاً عنه سعيد بن العاص رضي الله عنه وكان من بني أمية ، فأهل الكوفة اعتبروا ذلك استغلالاً للمنصب ؛ فكثرت الفتن فيها ، فعبد الله بن سبأ وجد أرضاً خصبة للفتن، فاستطاع أن يجمع حوله جماعة ، ثم انتقل إلى البصرة فجمع فيها جماعة أخرى ، و كان عددهم على أقل تقدير عند المؤرخين ستمائة رجل ، و أقصاها ألف رجل ، ثم انتقل إلى مصر و استطاع أن يجمع ما بين ستمائة إلى الألف من الرجال . انظر : استشهاد عثمان و وقعة الجمل من مرويات سيف بن عمر لخالد الغيث (ص72-86) ، حيث أجاد الباحث في تحليل الموقف .
و استخدم ابن سبأ كذلك الأعراب ، فذهب إليهم و بدأ يثير عندهم الأكاذيب حول عثمان و يستدل على قوله بكتب مزيفة كتبها هو و أعوانه على ألسنة طلحة و الزبير و عائشة ، فيها التذمر على سياسة عثمان في الحكم ، فصار الأعراب و هم الذين لا يفقهون من دين الله الشيء الكثير ، يتأثرون بهذه الأكاذيب و يصدقونها فملئت قلوبهم على عثمان رضي الله عنه . استشهاد عثمان ( ص 87-99 ) .
بعد ذلك اتجه ابن سبأ إلى هدفه المرسوم ، و هو خروج الناس على الخليفة عثمان رضي الله عنه ، فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم فقال لهم : إن عثمان أخذ الأمر بغير حق و هذا وصي الرسول صلى الله عليه وسلم ، فانهضوا في هذا الأمر فحركوه ، و ابدؤوا بالطعن في أمرائكم و أظهروا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تستميلوا الناس ، و ادعوهم إلى هذا الأمر . تاريخ الطبري (4/341) ، من طريق سيف بن عمر .
و يظهر من هذا النص الأسلوب الذي اتبعه ابن سبأ ، فهو أراد أن يوقع في أعين الناس بين اثنين من الصحابة حيث جعل أحدهما مهضوم الحق و هو علي ، و جعل الثاني مغتصباً و هو عثمان .
ثم إنه أخذ يحضّ أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مِصرهم إلى بقية الأمصار ، فيتخيل أهل البصرة مثلاً أن حال أهل مصر أسوأ ما يكون من قبل واليهم ، و يتخيل أهل مصر أن حال أهل الكوفة أسوأ ما يكون من قبل واليهم ، و كان أهل المدينة يتلقّون الكتب من الأمصار بحالها و سوئها من أتباع ابن سبأ ، وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال من السوء مالا مزيد عليه ، و المستفيد من هذه الحال هم السبئية ، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي . هذا و قد شعر عثمان رضي الله عنه بأن شيئاً ما يحاك في الأمصار و أن الأمة تمخض بشرّ فقال : والله إن رحى الفتنة لدائرة ، فطوبى لعثمان إن مات و لم يحركها . تاريخ الطبري (4/343) ، من طريق سيف بن عمر
و الذي حصل أن أهل الفتنة أخذوا يتراسلون فيما بينهم ، فلما رأوا أن عددهم قد كثر تواعدوا على أن يلتقوا عند المدينة في شوال من سنة (35هـ) في صفة الحجاج ، فخرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقلّل يقول ستمائة و المكثر يقول ألف .. و لم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب ، و إنما خرجوا كالحجاج و معهم ابن السوداء ..و خرج أهل الكوفة في عدد كعدد أهل مصر ، و كذا أهل البصرة ، و لما اقتربوا من المدينة شرعوا في تنفيذ مرحلة أخرى من خطتهم ، فقد اتفق أمرهم أن يبعثوا اثنين منهم ليطلعا على أخبار المدينة و يعرفا أحوال أهلها ، ذهب الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و علياً و طلحة و الزبير ، و قالا : إنما جئنا نستعفي عثمان من بعض عمالنا ، و استأذنا لرفاقهم بالدخول ، فأبى الصحابة ، و قال علي رضي الله عنه : لا آمركم بالإقدام على عثمان فإن أبيتم فبيض سيفرخ . الطبري (4/349-350) ، من طريق سيف بن عمر .
تظاهر القوم بالرجوع و هم يبطنون أمراً لا يعلمه الناس ، فوصلت الأنباء إلى أهل المدينة بانصراف أهل الفتنة فهدأ الناس ، و في الليل فوجئ أهل المدينة بأهل الفتنة يدخلون المدينة من كل مكان فتجمعوا في الشوارع و هم يكبرون ، فجاء علي بن أبي طالب و قال : ما شأنكم ؟ لماذا عدتم ؟ فرد عليه الغافقي بأن عثمان غدر بهم ، قال كيف ؟ قال : قبضنا على رسول و معه كتاب من عثمان يأمر فيه الأمراء بقتلنا ، فقال علي لأهل الكوفة و البصرة : و كيف علمتم بما لقي أهل مصر و قد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا ، هذا والله أمر أبرم بالمدينة ، و كان أمر الكتاب الذي زوّر على لسان عثمان رضي الله عنه اتخذوه ذريعة ليستحلوا دمه و يحاصروه في داره إلى أن قتلوه رضي الله عنه . و فوق هذا كله فالثائرون يفصحون عن هدفهم ويقولون : ضعوه على ما شئتم ، لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا و نحن نعتزله . الطبري (4/351) ، من طريق سيف بن عمر .
و علاوة على ذلك هناك ما يؤكد تزوير هذا الكتاب ، إذ ليس هو الكتاب الوحيد الذي يزوّر على لسان الصحابة ، فهذه عائشة رضي الله عنها ، تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي و تقول : لا والذي آمن به المؤمنون و كفر به الكافرون ما كتبت لهم سواداً في بياض حتى جلست مجلسي هذا . البداية والنهاية (7/195) و انظر ما رواه الطبري من استنكار كبار الصحابة أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات (4/355) .
و ما تلك اليد الخفية التي كانت تخط وراء الستار لتوقع الفرقة بين المسلمين ، و تضع في سبيل ذلك الكتب على لسان الصحابة و تدبر مكيدة الكتاب المرسل إلى عامل عثمان على مصر ، و تستغل الأمور لتقع الفتنة بالفعل إلا يد ذلك اليهودي الخبيث و أتباعه ، فهم المحركون للفتنة .
[/size]
[size="5"]المصدر اسلام ويب[/size]