تدعي الشيعة بأن الله تعالى هو الذي نصب وعيَّن الأئمَّة وفرض طاعتهم على العالمين وحرم الجنة على من لم يعرفهم أو لم يتبعهم، مع نسبة صفات الأنبياء لهم مثل أن الوحي يأتيهم وأن عند كل منهم صحيفة خاصة من الله تعالى يؤمر بالعمل بها،
وأنهم شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، يأتيهم الملاك ويسمعون صوته وإن كانوا لا يرونه، وأن روح القدس الذي يكون للنبي ينتقل بعده للإمام.. الخ
يقول الإمام الصادق (ع):«مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا ولِـلَّهِ فِيهَا الحُجَّةُ يُعَرِّفُ الحَلَالَ وَالحَرَامَ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى سَبِيلِ الله» (الكليني، أصول الكافي، كتاب الحجة، بَابُ أَنَّ الأَرْضَ لا تَخْـلُو مِنْ حُجَّةٍ، ج1/ص178.)
ويقول الإمام محمد الباقر (ع) أيضاً: «وَاللهِ مَا تَرَكَ اللهُ أَرْضاً مُنْذُ قَبَضَ آدَمَ (ع) إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى الله وَهُوَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ وَلَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةٍ لِـلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ(الكليني، أصول الكافي، كتاب الحجة، بَابُ أَنَّ الأَرْضَ لا تَخْـلُو مِنْ حُجَّةٍ، ج1/ص179)
وفي رواية أخرى يقول الإمام الصادق (ع) كذلك: «الْأَوْصِيَاءُ هُمْ أَبْوَابُ الله عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي يُؤْتَى مِنْهَا وَلَوْلَاهُمْ مَا عُرِفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهِمُ احْتَجَّ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ»
( الكليني، أصول الكافي، كتاب الحجة، بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ (ع) خُلَفَاءُ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي أَرْضِهِ وَأَبْوَابُهُ الَّتِي مِنْهَا يُؤْتَى، ج1/ص193.)
لكننا الآن نرى أن ألفاً ومئتي عام على الأقل مضت لم يوجد فيها أيُّ أثر لحضور إمام معصوم وتواجده بين الناس في المجتمع، والناس لا يملكون أي قدرة على الوصول إليه وهذا بحد ذاته نقضٌ واضحٌ للحكمة من غيبة الإمام الثاني عشر وفوائدها
فهناك عدة أسئلة تُرح في هذا الصدد:
1- تقولون ان غيبته امتحان للناس والسؤال هل لا يتحقق امتحان الناس ومعرفة مقدار التزامهم بالدين والولاية إلا بغيبة الإمام المعصوم؟؟؟؟؟
2- هل امتحان الناس في زمن حضور الإمام أمر مستحيل وغير قابل للتحقق؟؟؟؟
3- ما الذي يجب على الشيعة فعله في زمن الغيبة كي يعلموا أنهم شيعةٌحقيقيون؟؟؟؟؟؟؟
4- ما هو تعريف المحبين وشيعة أهل البيت الحقيقيين حتى يكون هذا الأمر غير قابل للتشخيص زمن حضور الإمام ولا ينكشف إلا زمن غيبته؟؟؟؟؟؟؟
5- كيف يمكن لغيبة الإمام المعصوم أن توجب انكشاف النفاق المستور لعدد من الناس؟ إلى الحد الذي أفهمه بعقلي الناقص: الحضور والظهور هو الذي يوجب انكشاف النفاق المستور لبعض الناس وليس الغَيبة.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
6- معنى النفاق هو ادعاء اتباع الإمام والالتزام بولايته كذباً ونفاقاً، وهذا الأمر إنما يظهر عندما يكون الإمام حاضراً ويعطي أمراً من الأوامر فيتبين من هو الشيعي الحقيقي الذي يطيع أمر الإمام ومن هو المدعي فقط. صحيح أنه عندما يأتي الامتحان يتميز الأتباع الحقيقيون عن الأتباع المدعين الكاذبين
وينكشف النفاق المستور لعدد من الناس لكن هذا الامتحان لا يكون له معنى ولا يتيسـر إلا إذا كان الإمام حاضراً يبين أحكام الله ويصدر التعليمات والتوصيات والأوامر.
أما عندما يكون الإمام غائباً ولا يعلم الناس شيئاً عن كلماته وأوامره وتعليماته تجاه مواقف الحياة المختلفة، الفردية والاجتماعية والسياسية، ولا يعلم أحد ماذا يريد من شيعته وماذا ينتظر منهم،
فكيف يمكن تمييز المؤمن عن المنافق
(أي التابع الحقيقي عن المدعي الكاذب)؟؟؟؟؟؟؟؟
وبأي ميزان يمكن تقييم مثل هذا الأمر في حال غيبة الإمام؟؟؟؟؟؟؟
7- . إذا كانت غيبة الإمام هي وحدها التي تجعل من الممكن انكشاف نفاق «عددٍ» من الناس فلسائل أن يسأل ما فائدة هذا الانكشاف وماذا يعالج من مشاكل المجتمع؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لنفرض أن النفاق المستور لعددٍ من الناس تمّ
افتضاحه، فماذا إذن؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
8- إذا كان قصدكم أن غيبة الإمام سبب لانكشاف الوجه الحقيقي لجميع المنافقين (وبالطبع هذا ما يفيده قولكم: «وفي الجملة يتبين المؤمن من المنافق»)
فإن كلامكم يكون كلاماً مخالفاً للواقع بشكل صارخ لأن معناه استحالة
وجود النفاق في عصر الغيبة!.!!!!!!!!!!!
9- وبغض النظر عن كل ما ذُكر إن إجابتكم تنتهي في مجموعها إلى أن الله
نقض الغرض من خلقه للناس لأجل حفظ الإمام الثاني عشر؟؟؟؟؟؟؟؟
لأنه غيّبه وحرم مليارات الناس من الوصول إلى التكامل المعنوي الذي
هو الغرض من خلق الإنسان؟!!!!!!!!!
لا ننسَ أنه طبقاً لأدلة ضرورة الإمامة عقلاً، لا يمكن للناس أن
يجتازوا طريق الكمال ويصلوا للغاية المنشودة من خلقهم دون
إرشاد أئمة معصومين
10- والمعنى الآخر لإجابتكم هو أن الله أُجبر – والعياذ بالله- لأجل حفظ روح الإمام، على أن يرفع عذاب الآخرة عن مليارات البشر الذين جاؤوا ورحلوا في عهد الغيبة وأن يدخلهم جميعاً الجنة لأن هؤلاء البشر كانوا محرومين من هدايات وإرشادات الإمام المعصوم ولذا فإن الحجة لم تتم عليهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هل تلاحظون إلى أين تأخذنا إجابتكم؟
وأيضاً لنصرف النظر عن كل ما ذُكِر، ولنتأمَّل بإنصاف هل أن اختراع حكم وفوائد لغيبة الإمام الثاني عشر (مثل امتحان الشيعة وتمييز المؤمن من المنافق) يفيد في حل إشكالية التناقض التي شرحناها؟
· ألا يضيف ذكر مثل هذه الفوائد تناقضاً جديداً إلى التناقض السابق؟؟؟؟؟؟؟؟
· أنتم تقولون في البداية إنه لا يجوز أن يُترك الناس لحالهم بل لا بد أن يكون لهم مرشدون معصومون كي يحلوا لهم مشكلاتهم الفكرية ويجيبوا عن أسئلتهم ويمنعوا تحريف القرآن وتعاليم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واندثارهما،
ويحولوا دون انحراف الناس وضلالهم، لكنكم عندما تواجهون معضلة الغيبة، بدلاً من تراجعكم عن تلك الأحكام حول ما يجب ضرورةً وما لا يجب؛ تقولون إن في عدم وجود إمام معصوم بين الناس وعدم إمكانية وصول الناس إليه فوائد منها امتحان الشيعة وتمييز المؤمن من المنافق؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!
فهل تحلُّون بهذا الكلام الإشكالية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
سؤالنا هو أنه انطلاقاً من أدلة ضرورة الإمام – التي تقولون بها-
لماذا يجب أن تحدث الغيبة من الأساس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ألم يكن من المفترض – طبقاً لتلك الأدلة-
أن يكون هناك حججٌ لِـلَّهِ بين الناس دائماً ليبيِّنُوا لهم أحكام الدين والحقائق الإلهية ويهدوهم إلى الصـراط المستقيم ويقيموا على الناس الحجة ويسدوا باب الاعتذار والاحتجاج أمام العصاة والمذنبين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
· الآن أخبروني من هو الإمام المعصوم وحجة الله في العصر الحاضرن الذي تتم به الحجة على الناس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
· لنفرض أن المؤمن تميَّز من المنافق، فماذا حلّ بموضوع إتمام الحجة على الناس؟
· ألم تكن هناك ضرورة عقلية لوجود أئمة معصومين بعد النبيّ دائماً كي يجيبوا عن أسئلة الناس ويعالجوا مشكلاتهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
· فأين الإمام الذي يجيب اليوم عن أسئلة الناس ويحل مشكلاتهم؟؟؟؟؟؟
· ألم تقولوا إنه من دون إرشاد الهداة المعصومين فإن اجتياز طريق الكمال والوصول إلى التكامل المعنوي محال؟
· إذن أليس الناس الذين حُرموا اليوم من إرشادات وهداية الإمام المعصوم حُرموا أيضاً من إمكانية اجتياز طريق الكمال والوصول إلى التكامل المعنوي؟؟؟؟؟؟؟؟
· لنفرض أن المؤمن تميَّز من المنافق، حسناً
لكن ماذا حل بقضية حرمان مليارات البشر من الوصول إلى التكامل المعنوي؟؟؟؟؟
أليس هذا نقض للغرض؟ ؟؟؟؟؟؟
· لماذا تنسون كل شيء عندما تحاولون تبرير غيبة الإمام الثاني عشر (عج) وتغفلون عما قلتموه عندما أردتم إثبات ضرورة وجود أئمة معصومين بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
· إذا كانت فلسفة وجود الإمام المعصوم هي هداية الناس وإرشادهم والإجابة عن أسئلتهم؛ فإن حضور هذا الإمام بين الناس وإمكانية وصول الناس إليه تصبح ضرورة عقلية أيضاً؛
ولذا وبما أن هذا الشخص عملياً غائب الآن ولا يمكنه أن يقوم بهذه الأعمال ويؤمِّن للناس ما هم مضطرون إليه من الهداية والإرشاد
فإن وجوده وعدمه أصبحا سِيَّان. ألم تفكروا في أنفسكم أن عبارة «الحجة الغائبة» عبارة متناقضة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
· إذْ كيف يمكن لشخص غائب (ومتوارٍ عن الأنظار) لا يعرفه الناس ولا يملكون الوصول إليه ولا يعلمون ماذا يقول وأي موقف يتخذ بشأن المجريات المختلفة والمسائل المتنوعة، أن يكون حجَّةً لِـلَّهِ على الناس يُقطع
بها عذرهم يوم القيامة؟؟؟؟؟؟؟
لماذا لا تحكموا العقل وتعترفوا ان المهدي قصه من صنع الكذابين اصحاب الحوانيت
أما قولكم:
«رغم أن عدداً من أولياء الله كانوا غائبين عن الأنظار، إلا أنهم كانوا يقومون بإرشاد المجتمع وهدايته»!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
فإن هذا يثير الكثير من التأمُّل، والواقع أن هضم هذا الكلام يحتاج إلى قوة هضم خارقة وفوق بشرية
. إن العاقل مهما فكر في هذا الكلام لن يستطيع أن بفهم كيف يمكن للشخص الغائب المحتجب عن الأنظار أن يهدي المجتمع ويقوده؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
اللهم إلا أن تتم هذه الهداية عبر طرق سرية غير عادية وما وراء طبيعية ومن خلال التصرفات التكوينية أو الاستعانة بالمعجزات وخوارق العادات
وهذا يتنافى
أولاً مع اختيار الناس وإرادتهم الحرة وتكليفهم،
وثانياً مثل هذه الطريقة لا سابقة لها ولم نجد لها أي نموذج حتى اليوم،
والحالات التي أوردتموها (حالة الخضر وموسى ويونس) ليس أي منها نموذج للغيبة التي نحن بصددها. هل الهداية الفردية من خلال الارتباط ببعض أولياء الله (الذين يمكن أن يكونوا غائبين عن الأنظار) أمر ممكن وليس شيئاً محالاً عقلاً،!!!!!!!!!!!!!!!
لكن ينبغي أن ننظر هل تحقق مثل هذا الأمر في عالم الواقع فعلاً؟
(بالنسبة إلى ارتباط موسى بالشخص الذي سماه القرآن «عبداً من عبادنا»،
لا ندري هل تم هذا الارتباط بشكل طبيعي ومن خلال المجاري العادية أم كان غير عادي وفوق طبيعي، وبعبارة أخرى لا ندري هل كان ذلك «العبد» إنساناً تقيَّاً ورعاً وعارفاً بالله واصلاً وشيخ طريقة، وكانت له حياة عادية وطبيعية وكان بمثابة مرشد وشيخ لموسى (ع)
حيث قام بلفت نظره إلى حقائق من خلال طرق التعليم التي ذكرها لنا القرآن، أم أن ذلك الشخص كان غائباً عن الأنظار ومختفياً ويعيش حياة غير عادية ويرتبط بأفراد معينين ارتباطاً سرياً وغير عادي فقط ويعمل على هدايتهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
. أما ادعاء وجود نبي باسم «الخضـر» ذي عمر خالد وأنه يعيش منذ آلاف السنين حتى الآن غائباً عن الأنظار ومختفياً، وفي بعض الحالات يرتبط ببعض الناس،
وادعاء أن «العبد» في الآية (في سورة الكهف) هو «الخضر» ذاته، فإنه ادعاء لا يستند إلى دليل أو مصدر موثوق، ولا يجوز الاستناد - أثناء تقديم إجابة علمية –
إلى مثل هذه الادعاءات التي لا يمكن إثباتها.
وثانياً: حتى لو كانت مثل هذه الارتباطات والهدايات موجودة فعلاً فلا يمكنها أن تملأ فراغ غيبة الإمام بدليل أنها حالات استثنائية ومحدودة بعدد من الموارد الخاصة لأن ضرورة وجود الإمام المعصوم تستند إلى الضرورة الحتمية لجميع الناس إلى هدايته وإرشاداته.
لنفرض أن الإمام الثاني عشر قام اليوم بالارتباط ببعض البشر وقدم إليهم نوعاً من الهداية والإرشاد (وطبعاً هذا مجرد ادعاء لا يمكن إثباته)
فهل هذه هي فلسفة وجود الإمام المعصوم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إذا كان الأمر كذلك لما كانت هناك حاجة من الأساس إلى نصب إمام معصوم بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فحضرة «الخضـر» (الذي تعتقدون بوجوده) كان بإمكانه أن يؤدي الواجب ويفي بالغرض ويقوم بمثل هذه الارتباطات والهدايات!.!!!!!!!!!!!!!
الآن ربما أمكن أن نفهم أفضل لماذا كانت التوصية بِـ «العودة إلى الفقهاء في عصر الغيبة» أمراً غير مبرَّر وغير موجَّه أبداً إذا أخذنا أدلة ضرورة وجود أئمة معصومين بالحسبان
، فالفقيه مهما علا شأنه يبقى فقيهاً غير معصوم وبالتالي فطبقاً لأدلة ضرورة وجود إمام معصوم بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فإن الحجة لا تتم على الناس برجوعهم إلى الفقيه.
ثم إذا كان الفقهاء قادرين على أن يبيّنوا الأحكام التي لم تُبيَّن في زمن نبي الإسلام وأن يحولوا دون تحريف تعاليم القرآن وأحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم واندثارها وأن يجيبوا عن أسئلة الناس حول المسائل المستجِدَّة بالاجتهاد من النصوص الدينية و..
. فأي ضرورة حتمية تبقى عندئذ لوجود إمام معصوم بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إن الزعم بأن الناس في عصر الغيبة عليهم أن يرجعوا إلى الفقهاء ليس سوى اعتراف بوهن وضعف ادعاء ضرورة وجود إمام معصوم بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
والعجب يا شيعه كيف تنسون كل تلك الأدلة التي تستخدمونها لإثبات ضرورة الإمامة بكلِّ يُسْـرٍ وبساطة.!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
إن المشكلة في إجابة سماحتكم هي أننا لو سألنا كيف يمكن للرجوع إلى الفقيه غير المعصوم أن يُتِمَّ الحجَّةَ على الإنسان مع أن احتمال الخطأ والخيانة لا يمكن نفيه عن الفقيه أبداً،
فأي إجابة تعطونها عن هذا السؤال ستكون قابلة للتطبيق أيضاً وصادقة بشأن الفترة التي تعقب مباشرةً رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم واستثناء هذه الفترة منها لا دليل عليه.
وسؤل أحد علماء الحوزة الكبار السؤال التالي:
«هل يمكن أن يوصلنا العمل بفتاوى الفقهاء إلى السعادة الأخروية رغم أننا نعلم أنه من الممكن أن يخطئوا في استنباطهم لأحكام الدين»؟
فأجاب سماحته بكل بساطة ويُسْر:
«نعم، صحيح أنهم غير معصومون إلا أن الفقيه إذا بذل خالص جهده واستنبط الحكم من الكتاب والسنة كان هذا حجة له ولمقلديه يمكنهم بالاتكال على الله أن يعملوا بها.
وإذا أخطأ الفقيه في اجتهاده فهو معذور عند الله طالما أنه سعى وبذل جهده للوصول إلى الحق وكانت نيته صادقةً نَقِيَّةً، كما أن نأن أن أن مقلِّديه أيضاً معذورون لأن نيَّتهم كانت العمل بأحكام الله، وإذا حصل خطأ في هذا المجال فهم ليسوا مقصِّرين ».
والسؤال الطبيعي !!!!!!
«إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تقولون هذا الكلام ذاته بشأن ما بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مباشرةً؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بعبارة أخرى أي ضرورة محتِّمة إذن لنصب أئمة معصومين بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كي يكونوا مرجعاً دينياً للناس؟؟؟؟؟؟
ألا يمكن للفقهاء أن يؤدوا هذه الوظيفة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لماذا تنسَون بكل سهولة ويُسْر أدلة إثبات ضرورة وجود أئمة معصومين بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأدلة عصمة الأئمة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
إلى هنا اتضح أن الغيبةَ الطويلةَ للإمام الثاني عشر (عج) ناقضةٌ لأدلة إثبات ضرورة وجود أئمة معصومين بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن المسألة لا تنتهي هنا. إن الأدلة المذكورة تعاني أيضاً من مشكلة أساسية أخرى من ناحية واقعيتها الخارجية وهذه المشكلة تتمثل في
«عدم تعدد الأئمة المعصومين في كل عصر وحرمان مليارات البشـر في أنحاء العالم من هدايات الأئمة المعصومين وإرشاداتهم».
إذا كانت تلك الاستدلالات صحيحة، فإن نتيجتها المنطقية ستكون ضرورة وجود أئمة متعددين في كل عصر، وتوزّعهم في سائر أنحاء الأرض بنحو يكون فيه إمام معصوم واحد على الأقل في كل مدينة وقرية كي يتيسَّر للناس الارتباط المباشر به من دون وسائط ويكون هذا متاحاً لجميع أهالي الدنيا، في حين أن مثل هذا الأمر لم يوجد في أي عصر، وهذه الحقيقة الواقعية شاهدٌ قويٌّ على عدم صحة تلك الأدلة.
قد تقولون إن وجود إمام معصوم واحد في كل عصر كافٍ، ويمكن لأهالي سائر بقاع الأرض أن يراجعوا تلاميذ وممثلي ذلك الإمام. لكن هذه الإجابة غير مقبولة،
لأنه في جميع تلك الاستدلالات (التي استُخدِمَت لإثبات ضرورة وجود إمام معصوم) ادُّعِيَت «ضرورة عصمة الأئمة»
(الذين يُفتَرَض أن يبيِّنوا أحكام الله للناس ويجيبوا عن أسئلتهم حول المستجدات في كل عصـر ويرشدوا الناس نحو طريق الكمال ويتمّوا الحجة على المذنبين والعاصين)،
ومعنى ضرورة العصمة هذه في تلك الأدلة هو أن غير المعصوم لا يمكنه أن يؤدي وظائف الإمام المعصوم ولا أن يلبّي حاجة الناس وضرورتهم للهداية والإرشاد.
بعبارة أخرى، طبقاً للأدلة المذكورة لا يتم إثبات ضرورة وجود الإمام المعصوم فحسب، بل إضافة إلى ذلك يتم إثبات ضرورة ارتباط الناس المباشر ومن غير واسطة بهذا الإمام المعصوم، لأن الارتباط غير المباشر به لا يمكنه أن يفي بالمقصود حتى لو كانت الواسطة تلميذ الإمام أو ممثِّله الخاص
(لأن التتلمذ على يد إمام معصوم أو تمثيله لا يجعل الشخص معصوماً) وبالتالي سيصبح من الضروري منطقياً – إذا قبلنا تلك الأدلة – أن ينصب الله مئات آلاف الأئمة المعصومين في كل عصر!
ولكي تتضح الفكرة أكثر نقوم هنا بدراسة نموذج للاستدلالات التي تستخدم لإثبات ضرورة النبوة العامة وضرورة وجود أئمة معصومين بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً،
لكي نُبيِّن أنه لو صحت تلك الاستدلالات فإن نتيجتها المنطقية ستكون ضرورة تعدد الأنبياء والأئمة المعصومين في كل عصر وزمان وضرورة توزعهم وانتشارهم في جميع أنحاء الكرة الأرضية. إن الاستدلال المذكور يقول:
«خَلَقَ اللهُ الإنسان ليسير باختياره نحو الكمال. ويستحيل على الإنسان أن يعرف طريق الكمال ويجتازه ليصل إلى التكامل المعنوي من دون هداية معلمين سماويين وإرشاد أئمة هداة معصومين
بناء على ذلك يجب على الله تعالى أن ييسر على الإنسان طريق وصوله إلى الكمال – الذي هو الغرض الأساسي من خلقه للإنسان – بأن يرسل له أنبياء وينصب له أئمة معصومين بعد النبيّ الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا إذا لم يفعل ذلك يكون قد نقض غرضه من خلق الإنسان ومحال على الله أن ينقض غرضه».
لنتأمل الآن مقدمات هذا الاستدلال وافتراضاته الضمنية
السؤال الأول: هل خلق الله تعالى الخلق ليصل جميعهم إلى الكمال المعنوي أم ليصل بعضهم فقط؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بالطبع ستقولون: «إن جميع البشر خُلقوا لأجل أن يصلوا إلى الكمال المعنوي»
ولا مجال لقول غير ذلك، لأنكم لو قلتم إن بعض الناس خُلقوا سُدىَ وبلا غاية أو أن وجودهم طُفَيْلي زائد، لأنكرتم حكمة الله وعدله. خاصة إذا تبين أن هؤلاء «البعض» هم أكثرية سكان العالم.
السؤال الثاني: هل من الضروري أن يكون الأنبياء والأئمة (الهداة المرشدون والأدلاء على الله وحججه تعالى على الخلق) معصومون حتماً، أم أنه يمكن لغير المعصوم أن يكون هادياً مرشداً للخلق نحو الكمال، وحجةً لله في الأرض؟؟؟؟؟؟
لا شك أن إجابتكم ستكون إنه من الضروري حتماً أن يكونوا معصومين، وبعبارة أخرى «عصمة الأنبياء والأئمة لازمة وضرورة حتمية» لأنكم لو قلتم إن غير المعصوم يمكنه أن يرشد الناس ويهديهم نحو الكمال لما أمكنكم بعدئذٍ أن تثبتوا ضرورة وجود أئمة معصومين.
السؤال الثالث: لماذا لابد أن يكون الأنبياء والأئمة معصومين حتماً؟؟؟؟
ماذا يحدث لو لم يكونوا معصومين، أي ما المشكلة التي تخلقها عدم عصمتهم؟؟؟؟
في إجابتهم عن هذا السؤال أقام متكلمو الشيعة استدلالات وبراهين عديدة لإثبات ضرورة عصمة الأنبياء والأئمة ولكن جميع تلك الاستدلالات والبراهين تنتهي إلى ثلاث استدلالات تم بيانها بصور مختلفة وبعبارات متفاوتة، وهي التالية:
1. إذا لم يكن الأنبياء (أو الأئمة الذين يخلفونهم) معصومين، لأمكن أن يقعوا في خطأ أو نسيان في تلقيهم للحقائق الإلـهية والتعاليم الدينية أو خلال تبليغهم الناس إياها أو في تفسيرهم لرسالة الوحي، فيقومون بتبليغ الناس أوهاماً وأباطيل،ناجمة عن إلقاءات شيطانية أو أخطاء فكرية، باسم حقائق الدين وتعاليمه وأحكام الله، فيؤدوا بذلك إلى ضلال الناس بدلاً من هدايتهم إلى الصراط المستقيم. فلا بد أن يكون هؤلاء المأمورون مِنْ قِبَلِ الله معصومين وإلا لأدى ذلك إلى نقض الغرض من إرسالهم. إن الأنبياء (والأئمة) مأمورون بهداية الناس إلى صراط الله المستقيم ولا بد أن يوصلوا رسالة الله إلى الناس وأن يفسِّروا للناس تعاليم الوحي (بالطبع النبيّ هو الذي يتلقى الوحي ويقوم بإبلاغه، كما يقوم بتفسير آيات الوحي للناس أيضاً، أما وظيفة الإمام المعصوم فتقتصر على تفسير الوحي فقط لأنه لا يتلقى الوحي من الله). لذا لا بد أن يضمن الله تعالى صحة تنفيذ هذه المهمة الإلـهية وإلا لانتقض الغرض منها، وهو محال. وضمان صحة تنفيذ تلك المهمة لا يتيسّـَر إلا عند توفر شرط العصمة.
2. إذا لم يكن الأنبياء والأئمة معصومين لما أمكن للناس أن يطمئنوا إلى صحة كلامهم. وعليه فمن الضروري أن يكون الأنبياء والأئمة معصومين حتى لا تهتزَّ ثقة الناس بهم. عندما يعلن شخص غير معصوم نبوته أو إمامته من الله، فإن الناس قد لا يشكون في صحة ادعائه هذا لأسباب ودلائل ما،
ولكنهم سيقولون في أنفسهم من أين نعلم أن هذا الشخص لم يقع في غلط أو اشتباه خلال تلقيه لحقائق وتعاليم الوحي وفهمه لها وإبلاغها للناس؟ كيف نتأكد أن كلامه عين الصواب والحقيقة؟
إن هذا الشك والتردُّد يحولان دون تحقق الهدف من النبوَّة أو الإمامة. إذن لا بد أن يكون الأنبياء والأئمة معصومين حتماً، حتى لا يقع الناس في مثل ذلك الشك والتردّد، وحتى يتحقّق هدف النبوة أو الإمامة.
3. المفروض أن يكون النبيّ (أو الإمام) معلماً للناس وأسوةً لهم وأن يأخذ بأيدي الأشخاص المؤهلين (ذوي الاستعدادات المتفاوتة)
ويسير بهم نحو الكمال. ومن لوازم هذا الأمر أن يتمتَّع النبيّ (أو الإمام) بالطهارة من كل ذنب أو إثم أو رذيلة خُلُقية وأن يكون متحلِّياً بجميع الفضائل الأخلاقية والكمالات الروحية والمعنوية
إن الناس يحتاجون إلى أسوة يقتدون بها في سلوكهم الطريق نحو الكمال، فإذا لم يكن النبيّ (أو الإمام) ذاته عاملاً بأحكام الله ومتحلِّياً بالفضائل الأخلاقية والكمالات الروحية والمعنوية فكيف يمكنه أن يكون أسوةً للناس وقدوةً لهم؟؟
لَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَـهُمْ إِمَاماً قَيِّماً أَمِيناً حَافِظاً مُسْتَوْدَعاً لَدَرَسَتِ الْمِلَّةُ وَذَهَبَ الدِّينُ وَغُيِّرَتِ السُّنَّةُ وَالْأَحْكَامُ وَلَزَادَ فِيهِ المُبْتَدِعُونَ وَنَقَصَ مِنْهُ المُلْحِدُونَ وَشَبَّهُوا ذَلِكَ عَلَى المسْلِمِين ...»
(الحديث أخرجه الشيخ الصدوق، في «عيون أخبار الرضا عليه السلام» (ج2/101)، وفي «علل الشرائع») الإمام الرضا (ع)، نقلاً عن بحار الأنوار، ج23/ص32.
كل زمن وعصر، لأنه لو لم يكن مثل هذا الإمام المعصوم بين الناس لَـحُرِّفَ دينُ الله وتعرّض للاندثار ولَوَقَعَ الناس في الحيرة والضلال. وإذا كان الأمر كذلك فإن هناك ثلاثة تساؤلات ملحة تتطلب الإجابة عنها:
التساؤل الأول: إذا كان حضور الإمام المعصوم بين الناس ضرورياً على هذا النحو فلماذا اختفى وغاب؟
التساؤل الثاني: إذا كان الإمام المعصوم غير حاضر بين الناس فمن يضمن عدم تحُرِّبف المذهب ؟
والتساؤل الثالث: هل يُعذر المنحرفون والعاصون المذنبون عند الله يوم القيامة بسبب عدم حضور حجج الله بين الناس في الدنيا؟
في النهاية أذكِّرُكُم بنقطةٍ مهمةٍ وهي أنكم تفضلتم أنه إذا لم يكن الإمامُ موجوداً بين الناس:
«لأصبح تشخيص الحق وتمييزه عن الباطل صعباً ولأصبح دين الله مشتبهاً ولاستحال وصول الناس إلى الكمال والسعادة ولانسدَّ طريق التكامل أمام البشر».
وقلتم إن هذا نقض للغرض لأن:
«الهدف من خلق هذا النظام... خلق الإنسان ونيله الكمال باختياره».
فإذا أخذنا بعين الاعتبار عدم وجود إمام معصوم بين الناس في الوقت الحالي ألا يكون كلامكم هذا اعترافاً منكم بانسداد طريق التكامل أمام البشر وبالتالي نقض الغرض من خلق الإنسان؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وهو نقض الغرض ذاته الذي ادعيتم استحالته على الله؟!
فإذا كان الأمر كذلك فسؤالي:
أي محال هذا الذي وقع فعلاً وليس هذا فحسب بل وقوعه مستمر منذ أكثر من ألف عام وربما سيتواصل آلاف السنوات الأخرى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟