الزكاة من افراد الصدقه لقد رد صاحب (الميزان) عن الأشكال وهو كون التصدق بالخاتم لا تسمى زكاة بقوله في (ج6 ص
:
((وأما قولهم: أن الصدقة بالخاتم لا تسمى زكاة فيدفعه أن تعين لفظ الزكاة في معناها المصطلح إنما تحقق في عرف المتشرعة بعد نزول القرآن بوجوبها وتشريعها في الدين وأما الذي تعطيه اللغة فهو أعم من الزكاة المصطلحة في عرف المتشرعه ويساوق عند الأطلاق أو عند مقابلة الصلاة انفاق المال لوجه الله كما يظهر مما وقع فيما حكاه الله عن الأنبياء السابقين كقوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: (( وَأَوْحَيْنَا إلَيْهمْ فعْلَ الْخَيْرَات وَإقَامَ الصَّلاة وَإيتَاءَ الزَّكَاة )) (الانبياء:73), وقوله تعالى في إسماعيل: (( وَكَانَ يَأْمر أَهْلَه بالصَّلاة وَالزَّكَاة وَكَانَ عنْدَ رَبّه مَرْضيّاً )) (مريم:55), وقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام في المهد: (( وَأَوْصَاني بالصَّلاة وَالزَّكَاة مَا دمْت حَيّاً )) (مريم:31), ومن المعلوم أن ليس في شرايعهم الزكاة المالية بالمعنى الذي اصطلح عليه في الإسلام.
وكذا قوله تعالى: (( الَّذي يؤْتي مَالَه يَتَزَكَّى )) (الليل:18), وقوله تعالى: (( الَّذينَ لا يؤْتونَ الزَّكَاةَ وَهمْ بالْآخرَة همْ كَافرونَ )) (فصلت:7), وقوله تعالى: (( وَالَّذينَ همْ للزَّكَاة فاعلونَ )) (المؤمنون:4), وغير ذلك من الآيات الواقعة في السور المكية وخاصة السور النازلة في أوائل البعثة كسورة حم وغيرها ولم تكن شرعت الزكاة المصطلحة بعد,فليت شعري ماذا كان يفهم المسلمون من هذه الآيات في لفظ الزكاة.
بل آية الزكاة اعني قوله تعالى: (( خذْ منْ أَمْوَالهمْ صَدَقَةً تطَهّرهمْ وَتزَكّيهمْ بهَا وَصَلّ عَلَيْهمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهمْ )) (التوبة:103), تدل على أن الزكاة من أفراد الصدقة وإنما سميت زكاة لكون الصدقة مطهرة مزكية مطلقاً وقد غلب استعمالها في الصدقة المصطلحة فتبين من جميع ما ذكرنا أنه لا مانع من تسمية مطلق الصدقة والأنفاق في سبيل الله زكاة.
الدليل على كون الولايه بمعنى الامامه
لو كانت الولاية بمعنى النصرة لما صح حصرها بأداة الحصر (إنما) بعد الله ورسوله بالذين آمنو المتصفين بكونهم: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55).
أي طائفة خاصة من المؤمنين، إذ الولاية بهذا المعنى تشمل جميع المؤمنين كما قال الله تعالى: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )) فعلمنا من قرينة حصر الولاية (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) بمعنى آخر غير النصرة، وإلا لم تكن فائدة م الحصر..
فظهر أن المقصود من الولاية في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) من يكون أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما قال تعالى بحق النبي (صلى لله عليه وآله ): (( النَّبِيُّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم )) (الأحزاب:6).
أي أحق بتدبيرهم وتصريفهم وأن طاعته عليهم واجبة ، فإذا ثبت ذلك لغير النبي كعلي (عليه السلام) وهو الذي أتى بالزكاة راكعاً باتفاق جميع المسلمين، فلابد أن يكون هو الولي الأولى بالمؤمنين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ) . وليست ولايته سوى الإمامة، لأن الإمامة هي الرئاسة العامة في أمور الدين والدينا، وذلك هو مفاد كون الولي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فتأمل .
جواب على ماقاله الالوسي في تفسيره أولاً: قال: ثم انه سبحانه لما قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ )) (المائدة:51)، وعلله بما علله إلى قوله: (فاختصوهم بالموالاة ولا تتخطوهم الى الغير) وحاول فيه أن يدعي وحدة السياق وأن لم يصرح به ولكن ظاهر عبارته ذلك من ربطه بين هذه الآية والآيات التي سبقتها الناهية عن ولاية اليهود والنصارى وهو هنا لم يفسر الولاية في هذه الآية وإنما أورد نفس معناها في الآية السابقة عليها وقد ذكر هناك أن المراد النهي عن ولاية النصرة لليهود، والنصارى وما فعل ذلك الا لكي لا يلزم بما سوف يرد عليه مما سنذكره محاولاً التخلص من القصر الظاهر من لفظة (إنما) المنافي لولاية النصرة بهذه التعمية في العبارة.
ومحاولة الاستدلال بوحدة السياق ذكرها قبله الكثير من علماء أهل السنة منهم التفتازاني في شرح المقاصد وابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة وأشار إليها أكثر من فسر هذه الآية منهم.
وقد أجاب علماؤنا عن ذلك قديماً ولكن الآلوسي غض الطرف عن أجوبتهم لما يريد من غاية وإلا لو كان من أهل التحقيق لأوردها ثم ذكر ما يمكن أن يجيب عليها، لا طرح كلامه تبعاً وتقليداً لسلفه كأنه آخر ما قيل ولا معقب عليه.
وأما ما يرد على أدعاهم بوحدة السياق فأمور:
1- أن سبب النزول كما هو الصحيح يرد وحدة السياق.
2- عدم وجود وحدة السياق بين الآية المقصودة وهذه الآية لبعدها أولاً ولفصلها بآية الارتداد. ثانياً: وهذا ظاهر واضح لما قرأ الآيات من قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )), إلى الآيات الثلاثة بعدها فأنها مترابطة المعنى مفصولة عما بعدها.
3- وجود كثير من الآيات في القرآن أولها في شيء ووسطها في شيء وآخرها في شيء، بل مجيء آية لها معنى خاص في وسط آيات متحدة المعنى لا علاقة لها بهن. فإذا تعارض الدليل مع السياق قدم الدليل لاتفاق الجميع على أن الآيات لم تترتب على سبب النزول.
4- ان الولاية في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )), ليست بمعنى النصرة لأن هذا المعنى لا يلائم قوله تعالى: (( بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )), ولا قوله: (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم )), لأنه لا يتم معناهما إلا إذا كانت الولاية فيها بمعنى المحبة فان ولاية المحبة هي التي تجعل اليهود أولياء بعضهم لبعض لا النصرة، وهي التي تجعل من يحبهم كأنه منهم وجداناً لا ولاية الحلف والنصرة.
5- لا يصح جعل النبي (ص) ولياً للمؤمنين كما في الآية بمعنى النصرة بل اما أن يكون النبي (ص) والمؤمنين جميعاً ينصرون دين الله، أو أن الناس ينصرون رسول الله (ص) لأنه المبلغ بالدين والرسول عن الله، أو أن الله ينصر رسوله والمؤمنين. وأما أن رسول الله (ص) يكون ناصراً للمؤمنين فليس يصح ولم يرد فيه آية من القرآن، ومنه يظهر أن الولاية هنا ولاية التصرف لا ولاية النصرة.
6- أن القول بأن الولاية في الآية هي ولاية النصرة تبعاً للسياق المفترض من أن النهي في الآية الأولى منصب على ولاية النصرة لليهود والنصارى لا يجتمع مع أداة الحصر (إنما) ولا مع الضمير (كما) في وليكم, لأن ولاية النصرة عامة، وقوله (وليكم) يحتاج إلى آخرين مخاطبين غير من ثبتت له الولاية ولا يمكن أن يخاطب المؤمنون كلهم بلفظة (وليكم) فثبت أن من ثبتت له الولاية بعض المؤمنين لا كلهم.
7- أن القول بأن الولاية في الآية تعني الأولى بالأمر لا ينافي السياق ولا يتعارض مع المناسبة المدعاة بين الآيات لأن ولاية الأمر تشمل ولاية النصرة والمحبة وغيرها فثبتت المناسبة.
8- أن جعل المقصود من قوله (الذين آمنوا) عموم المسلمين، وبالتالي جعل الحصر المستفاد من (انما) خاص بالله ورسوله والمؤمنين جميعاً دون اليهود والنصارى والمنافقين والذين في قلوبهم مرض ويكون المعنى كما قال: (لا تتخذوا اولئك أولياء لأن بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم إنما أولياؤكم الله ورسوله (ص) والمؤمنون فاختصوهم بالمولاة ولا تتخطوهم الى الغير...)، مناف ومعارض بالجملة الحالية في قوله تعالى: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), وسيأتي بيانه.
ثانياً: قوله: وأفراد الولي مع تعدده ليفيد كما قيل: أن الولاية لله تعالى بالأصالة.... إلى قوله: لأن الحصر باعتبار أنه سبحانه الولي بالأصالة وحقيقة وولاية غيره إنما هي الإسناد إليه عز شانه).
والجواب عليه:
1- أنتقل الآلوسي هنا إلى تعليل الأفراد في لفظة وليكم وكأنه قد فرغ من معناها فيما حاول الإشارة إليه بأنها بمعنى الولاية الواردة في آية النهي عن ولاية اليهود مع أنه لم يورد لفظاً صريحاً على معناها هنا والتحقيق أن معنى الولاية في الآية (الأولى بالأمر) لما ثبت في اللغة من أن الولي من كان أولى بالأمر في كل شيء ولا يمكن أن يراد بها هنا النصرة أو المحبة لمكان أداة الحصر (إنما) فلو كان المراد بها النصرة والمحبة لناقض الحصر لأنهما نابتتان لجميع المسلمين فلا مورد لمجيء (انما) هنا ومن هنا حاولوا تفسير: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), بأنها تشمل جميع المؤمنين وسيأتي بيان الخطل في ذلك.
2- أن لفظة (وليكم) جاءت في الآية مفردة واثبتها الله لنفسه أولاً ثم أنبتها لرسوله (ص) بالعطف ثانياً ثم للذين آمنوا الموصوفون بالصفة المذكورة ثالثاً: فدل أن ما ثبت للذين آمنوا هو نظير ما ثبت لله ولرسوله (ص) وأن المعنى المراد الثابت للجميع واحد هذا هو الظاهر من اللفظ.
نعم، يثبت من دليلين عقليين: الأول أن الولاية لله بالأصالة والثاني أنه لا يجتمع وليان عرضاً في وقت واحد أن الولاية الثابتة هنا طويلة وانها بالأصالة لله ثم لرسوله ثم لمن صفته كذا من المؤمنين بالتبع.
3- أن أفراد لفظة (وليكم) فيها أشارة إلى ان المراد من (الذين آمنوا) واحد في كل عصر وهذه وسابقتها نكته بيانية مهمة يحتاجها بيان المعنى الزائد في الآية.
وأما ما نقله من أن النكتة في أفراد الولاية هي لبيان أنها بالأصالة لله ثم للرسول (ص) والذين آمنوا بالتبع ليس على استقامته إذ أن استفادة ذلك كما قدمنا من دليل خارج من الآية ويتم حتى لو جاءت الولاية بالجمع مع ما في قوله (وأفرد الولي مع تعدده) من مصادرة على المطلوب، فإن افراد الولي في (وليكم) يشير إلى أنه واحد كما قدمنا وقوله (مع تعدده) أول الكلام ويحتاج إلى إثبات كما سيأتي.
ومن هذا يظهر أنه لا يحتاج إلى تقدير في الكلام كما نقله عن صاحب الفرائد لأن المعنى على ما قدما تام بدون تقدير ولكنهم أضطروا إليه لما صرفوا المعنى إلى الجميع. فلاحظ.
ويظهر أيضاً صحة المنافاة المدعاة لو كان التقدير على الجمع (أي أوليائكم) لأداة الحصر (إنما)، فأنه لا يظهر من الأداة حصر الولاية في الله أصالة ثم أنها للرسول والذين آمنوا بالتبع وإنما يظهر منها الحصر بالله وبمن عطف عليه النبي (ص) والذين آمنوا بالتساوي نعم قلنا يظهر من دليل خارج أنها بالأصالة لله وبالتبع لغيره، فالتقدير اللغوي بأن الولاية للجميع ينافي وضع (إنما) للحصر لغةً فلاحظ.
4- قد تقدم أن الولاية في الآية ثابتة بمعنى واحد للكل ولا يمكن أن يكون المراد من ولاية الله ولاية النصرة، فبالتالي لو كان المراد من الذين آمنوا جميع المؤمنين كان معنى الولاية الثابتة في حقهم غير معناها بالنسبة لله إذ لا تخرج الولاية بالنسبة إليهم عن معنى النصرة أو المحبة وهي غير ولاية الله كما قدمنا، مع أنا نلاحظ من السياق أشراك الجميع بالعطف على هذا المعنى الواحد من الولاية الذي جاء على المفرد فلو كانت الولاية تثبت للجميع وهي بمعنى آخر لاحتاج إلى أن تذكر ولاية أخرى في المقام رفعاً للالتباس كما قال تعالى: (( قُل أُذُنُ خَيرٍ لَّكُم يُؤمِنُ بِاللّهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنِينَ )) (التوبة:61). فكرر الإيمان وفرقه بين الله بتعديته بالباء وبين المؤمنين بتعديته باللام.
ثالثاً: قوله: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )), بدل من الوصول الأول..... إلى قوله: (( وهم خاشعون )) ومتواضعون لله تعالى، وقيل هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة والركوع ركوع الصلاة والمراد بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه).
والجواب عليه:
1- ان اعراب الجملة في الآية (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ )) على أنها بدل أو صفة لا يؤثر في الإستدلال، والتعبير عنها في رواياتنا بأن الله سبحانه وصفه(ع) بكذا أو قول علمائنا وبعض علماء السنة بأن الله وصف الذين آمنوا بكذا، قد يراد به النعت المعروف في النحو وقد يراد به البيان والتفسير فلا ينافي أن يكون بدلا.
وعلى كل حال فإن المعنى يكون أن الذين أمنوا من صفتهم أقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع.
2- لقد أعترف الآلوسي هنا أن جملة (( وهم راكعون )) حال من جملة (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )) أي يؤتون الزكاة وهم في حال الركوع، لا كما فعل معظم أسلافه في محاولة لصرفها عن علي (ع) بجعل الجملة (( وهم راكعون )) معطوفة على الجملة السابقة التي هي صلة الموصول، فإن الواو هنا حالية وليس عاطفة كما هو ظاهر اللغة العربية ـ فإن المفهوم من قول القائل (فلا يغشى أخوانه وهو راكب) معنى الحال أي أنه يغشى حال ركوبه وكذلك لو قال (لقيت فلانا وهو يأكل) كان معناه لقائه حال الأكل.
3- ولكنه حاول صرفها عن علي (ع) بطريق آخر بأن قال كما قاله القوشجي قبله أن المراد من الركوع ليس الركوع المعروف وهو الانحناء وإنما معناه الخشوع والتواضع فيكون المعنى على قوله أنهم يأتون الزكاة وهم خاشعون متواضعون، وهذا خلاف ظاهر اللفظ أيضاً.
لأن المعروف في العربية أن الركوع هو التطأطؤ المخصوص والانحناء وهو معناه حقيقة وإنما شبه به الخضوع والخشوع على نحو المجاز، فقد أنشد لبيد:
أخبر أخبار القرون التي مضت ***** أدب كأني كلما قمت راكع
فالحمل على الحقيقة أولى ولا يحمل على المجاز إلا بقرينة كما قال الشاعر:
لا تهن الكريم علك ان تركع ***** يوماً والدهر قد رفعه
فإنه أراد به علك أن تخضع يوماً بقرينة لا تهن الكريم والدهر قد رفعه.
وقد قال صاحب العين الفراهيدي كل شيء ينكب لوجهه فيمس ركبته الأرض أولا يمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع وغيرها من أقوال أصحاب اللغة.
وكذلك يفهم من الركوع في الحقيقة الشرعية التطأطؤ المخصوص في الصلاة دون التواضع والخشوع فالحمل على الحقيقة الشرعية أولى من حمله على التواضع والخشوع كما سلف من أنه جاء لبيان حال اعطاء الزكاة وهو في الركوع وليس هناك داع لحمله على خلافها سوى العصبية.
فظهر مما ذكرنا أن جعله معنى الركوع هو الخشوع والتواضع ليس له وجه أصلاً وتضعيفه القول بأن معناه الانحناء والتطأطؤ المخصوص بقوله (قيل) ليس له وجه أيضاً، بل أن الظاهر والدليل مع هذا المعنى الأخير، وقد دلت الروايات على أن من أتى الزكاة وهو بحال الركوع هو علي (ع) ليس غيره كما سيأتي فما حاول من نسبة هذا القيل إلى الجمع بقوله: (والمراد بيان كمال رغبتهم في الاحسان ومسارعتهم إليه) ليس في محله كذلك، وسيأتي من كلامه الآتي ما يدحض هذه المحاولة للتعميم بعد أن يعترف بأن الآية نزلت عندما تصدق علي (ع) بخاتمه وهو راكع فروايات النزول تدحض ما حاول نسبته إلى الجمع فالسائل واحد والتصدق واحد، فلاحظ.
رابعاً: قوله: (وغالب الأخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله وجهه فقد أخرج الحاكم... الخ).
والجواب عليه:
1- هذا أعتراف منه بنزول الآية بحق علي (ع)، وأن حاول التقليل من ذلك بقوله (غالب الإخباريين) ولم ينص كما نص غيره من متكلميهم كالقوشجي بأن الاجماع أنعقد على أنها نزلت في علي (ع), وقد أتفق المفسرون على ذلك ولكن الآلوسي هنا لم يتبعه في قوله كما فعل سابقاً!!
2- ثم انه أقتصر على رواية واحدة وهي التي فيها مجيء عبد الله بن سلام إلى النبي (ص) ولم يذكر الروايات الاخر الكثيرة والتي فيها من الصحيح العديد وكلها تدل على أن سبب النزول هو علي (ع).
3- ولا نطيل بذكر الأسانيد وتصحيحها بل اثبات تواترها في أن الآية نزلت بحق عليه (ع) بل نحيلك إلى صفحتنا تحت عنوان (الأسئلة العقائدية / آية الولاية).
4- ومما ذكرنا يظهر لك أن المعني بـ (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) هو علي بن أبي طالب (ع) لا جمع من المؤمنين، ومن عطفها على رسول الله (ص) يثبت له نفس معنى الولاية الثابت له (ص) وهو نفس المعنى منها الثابت لله سبحانه وتعالى، ومن الحصر الموجود في آية بدلالة (إنما) يثبت أنها خاصة بالله ورسوله وعلي (ع) دون غيرهم فلا يمكن أن يراد بمعنى الولاية النصرة أو المحبة لأنها عامة لجميع المؤمنين.
وبالتالي يثبت ما نقله الآلوسي من استدلال الشيعة بهذه الآية على الولاية دون نقاش حيث قال: (واستدل الشيعة بها على امامته كرم الله وجهة.... إلى قوله: وهذه نكتة سرية تعتبر في كل مكان بما يليق به).
ويسقط كل ما حاول الإجابة عليه من طريق أهل السنة كما سيأتي
خامساً: قوله: (وقد أجاب أهل السنة عن ذلك بوجوه الأول:...الخ).
والجواب عليه:
1- أن هذا الكلام من تقرير استدلال الشيعة والجواب عليه قد أخذه من عبد العزيز الدهلوي في التحفة الأثني عشرية وهو مذكور في مختصر التحفة الأثني عشرية لمحمود شكري الآلوسي عند كلامه حول الآية، وقد أجاب عليه علمائنا ومنهم السيد أمير محمد القزويني في كتابه الآلوسي والتشيع.
2- وأصل هذا الإشكال ورد عند القوشجي في شرح التجريد عندما أعترض على اختصاصها بعلي (ع) وقال بأنها ليست في حقه للجمع وللحصر وهم (أي شيعة) لا يقولون به، أي لا يقولون بحصر الولاية في علي (ع) فقط دون أولاده.
3- أن الشيعة يستدلون على ولاية علي (ع) من هذه الآية بهذا التقرير: أن الآية حصرت بظاهر اللفظ الولاية بالله سبحانه وتعالى وعطفت عليه الرسول والذين آمنوا، ولا بد من أن يكون الذين امنوا بعض المؤمنين لا كلهم، لوضوح أن الذين أمنوا غير الذين ذكروا بضمير (كم) المضاف في (وليكم) وإلا لأصبح كل مؤمن ولي نفسه ولبطل الحصر وكان المضاف هو المضاف إليه وهو مستحيل، وأن معنى الولاية غير معنى النصرة للحصر المذكور فأن ولاية النصرة شاملة لكل المؤمنين كما في قوله (( المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )).
وبعبارة أخرى: أن الله خاطب المؤمنين بأن وليكم ولا ولي غيره هو الله سبحانه وتعالى فدخل في المخاطبين رسول الله (ص) ثم أخرجه بالعطف فثبتت له الولاية أيضاً ثم عطف الذين آمنوا على رسول الله (ص) فثبتت لهم الولاية كذلك ولا يمكن أن يكون الذين آمنوا نفس المخاطبين أولاً لما ذكرناه.
ثم انهم يقولون: أنه قد ثبت بالاجماع أن الصفة المذكورة للذين أمنوا وهي (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) قد وقعت بالفعل الخارجي من علي (ع) وحده لا سواه فثبت أن المراد من (الذين آمنوا) هو علي (ع) لا غيره بنص الروايات وفعل وحال النبي (ص) المنقول فيها، فانه خرج بعد نزول الآية يبحث عن هذا المتصدق في حال الركوع ولم يكن إلا علي (ع).
واعطاء حكم كلي والاخبار بمعرف جمعي بلفظ الجمع ولا يكون المصداق الخارجي إلا واحد، معروف في اللغة وهو ابلغ وأتم بياناً للمراد وهو معروف في آيات القرآن الكريم وعليه أكثر من شاهد.
وهم بهذا يستدلون على أن المراد بـ (الذين آمنوا) هو علي (ع) مما وقع في الخارج وليس من ظاهر لفظ الآية كما هو الظاهر من تقرير عبد العزيز الدهلوي والآلوسي لدليلهم، فلاحظ.
4- أن الآية جاءت بالأخبار عن واقع خارجي وليس بالإنشاء لحكم شرعي، فلا يدخل بها كل من تصدق وهو راكع بعد أن علم بالآية وكان علمه بها دافعه للتصدق وبعبارة أخرى كما يقول بعض علمائنا أنها جاءت على شكل قضية خارجية محددة الموضوع لا قضية حقيقة مقدرة الموضوع كما يذكرون في علم المنطق.
ومن هنا كان فعل رسول الله (ص) عندما خرج يبحث عن التصدق حال الركوع ليبينه للمسلمين وكما هو ظاهر أيضاً من الفعل المضارع (يؤتون) الدال على الوقوع في الحال. فتكون الآية دالة على ولاية علي (ع) وأولاده (عليهم السلام) بنحو الاختصاص لا التخصيص، فلاحظ.
5- أن الولاية الحقيقة هي لله سبحانه وتعالى فقط لأنه الحاكم والمالك الحق وهذا واضح، ولكن ولاية رسول الله (ص) تكون بالطول والتبع والنيابة فكذلك ولاية الذين آمنوا، فان ولايتهم طولية لا عرضية، فولاية علي (ع) ثابتة في زمن رسول الله (ص) بالطول، أي أن له حق الطاعة من قبل المؤمنين ولكن لوجود رسول الله (ص) فهو الأولى بالطاعة وأن كانت طاعة علي (ع) ثابتة أيضاً ويدل على ذلك قصة اصطفاء علي (ع) لجارية من سبي اليمن وشكاية بعضهم ذلك للنبي (ص) وجوابه بأنه له من الحق أكثر من ذلك.
6- ومن هنا نقول إذا كانت ولاية الأئمة (ع) من أولاد علي (ع) ثابتة بالطول وبالنيابة عن ولايته (ع) ومترتبة عليها في ذاتها وتأتي بعدها في الزمن فلا يضر الحصر فيها، وإنما يضر الحصر إذا كانت الولاية بالعرض وفي نفس وقت وزمن حياة الولي أو كانت على نحو الشركة أو المعارضة أو سابقة بالزمن كما يدعيه أهل السنة لخلفائهم.
فإن حصر الولاية إذا ثبت لأشخاص بالطول لا يمكن أن يدخل معهم غيرهم بالعرض وفي زمنهم بما هو ثابت من معنى الإمامة وما يثبته العقل الفطري لها من عدم جواز الشركة وتعدد الأئمة في وقت واحد.
فحصر الولاية بالله ورسوله وعلي (ع) يدفع أي احتمال لوجود إمام آخر يتخلل وقته بين رسول الله (ص) وعلي (ع) لأنه منفي بالحصر، وهو أي الحصر يثبت ولاية علي (ع) بعد رسول الله بلا فصل كما يثبت عدم ولاية غيره معه.
7- ومن هنا يتضح أن الحصر لو كان حقيقياً فهو لا يضر بإمامة الأئمة (ع) لوجوه:
أ- ما ذكرناه من أن ولايتهم مترتبة طولاً.
ب- لوجود أدلة أخرى على امامتهم بعد أبيهم بالترتيب زمناً.
ج- لما تبين من أن الآية سيقت مساق الأخبار لا الشريع فهي تدل على ولايتهم بالاختصاص لا بالتخصيص.
د- أن لفظ الجمع عند ذلك يشملهم ولا يعارضه اختصاص أمير المؤمنين بالتصدق حال الركوع في وقته وثبوت ذلك الفعل الخارجي منه بالروايات، لان حصر واختصاص الولاية به عند ذلك يكون بما وقع خارجاً وما أشار إليه رسول الله (ص) لا بما دل عليه اللفظ.
و ـ وجود الروايات عندنا بان الأئمة (ع) كلهم يتصدقون حال الركوع عندما يصلون إلى حد الإمامة.
وكذلك لا يضر لو كان الحصر أضافياً لوجوه:
أـ أنه حصر اضافي لما يحتمل أن يقع فيه الترديد بالإضافة إلى الثلاثة الذين تقدموا عليه.
ب ـ يصح الحصر عند ذلك في زمن حياة علي (ع) فقط كما ثبت من معنى الولاية عرفاً وعقلاً واستحالة عدم وجودها وتعددها على طول الزمان إلى يوم القيامة.
ج ـ وكذلك يصح الحصر في تلك الصفات (( يأتون الزكاة وهم راكعون )) في الحال والآن أو في زمن حياته لموقع الفعل المضارع يؤتون الدال على الحال.
د ـ بل لعل الحصر لابد أن يكون إضافياً أما لقصر الأفراد أو القلب أو التعيين لما هو مركوز في العقول من عدم خلو الأرض من إمام الى يوم القيامة وكذلك وجود أئمة سبقوا نبوة محمد (ص) من زمن آدم لم يتصدقوا حال الركوع.
ولكن الحصر سواء كان أضافياً أو حقيقياً فهو ينفي إمامة الثلاثة المتقدمين وهذا كاف في الاستدلال.
8- ان بعض علمائنا عندما يقولون أن الحصر أضافي يريدون به أنه حصر أضافي لمن كان في زمن حياة علي (ع) ومن يدعي أن له الولاية والإمامة مقابله بالعرض، لأن العامة يقولون أنه حصر إضافة لولايته في وقت من الأوقات لا على التعيين حتى يصدق على الوقت الذي تولى فيه خلافة المسلمين بعد عثمان، لأن هذا القول ينافي حصر الولاية في الآية بالله ورسوله ومن تصدق وهو راكع وهو علي (ع) وترتب هذه الولاية بالطول وهو واضح إذ سوف يدخل بالولاية من هو خارج الحصر، فلاحظ.
كما أن ولاية السبطين في حياته لا تعارض ولايته لما قلنا من أنا الولاية طولية كما أن ولايته (ع) لا تعارض ولاية رسول الله بل أن ولاية رسول الله لا تعارض ولاية الله.
9- أما أنه (ع) سوف يلزمه النقص حال ولاية الثلاثة فهو واضح لأن ولايتهم ستكون عرضية ومعارضة لولايته واما أن لا يلزمه النقص بولاية سبطيه فلأن ولايتهما طولية نابعة من ولايته ثم أن هذا المعنى غير خارج من الآية بل هو داخل في معنى الولاية وطوليتها لأن حصر الولاية بالثلاثة يفهم منه معارضة ولاية غيرهم معهم بالعرض ولا يعارض ولاية، من يتبعهم بالطول والنيابة ثم أن ولاية أولاده نابعة من ولايته فكيف يكون فيها نقص عليه وهل ولاية ولي العهد لأي ملك في زمن حياة الملك نقص عليه، ما هذا إلا توهم جاهل!!
سادساً: قوله الثاني: انا لا نسلم الإجماع على نزولها في الأمير.....)
والجواب:
1- ان نفي الإجماع على نزولها في علي (ع) دفعاً بالصدور، فهذا من الجحود والتعصب الأعمى بدون دليل، كيف وقد نص علماؤهم على ذلك؟!
إذ كيف يكون الإجماع بعد ذكر المفسرين والمحدثين والمتكلمين له ووصول العديد من الروايات الصحيحة في ذلك إضافة للضعيفة والمرسلة,هذا عندهم فضلاً عن إجماع الشيعة من أولهم إلى أخرهم على ذلك.
(وأما تفصيل ذلك فهو وجود على صفحتنا فلا نعيد، فراجع).
2- أما لجوءهم إلى الرواية عن أئمتنا بطرقهم بما يناقض ما قلناه متواتراً عنهم (ع)، فهذا مما يضحك الثكلى ويقتضي العجب، وهماً منهم أنهم سوف يسكتوننا بذلك.
كيف وقد روينا عن الباقر (ع) بعدة طرق أنها نزلت في علي، ففي الكافي عن أبي جعفر (ع) قال: (أمر الله عزوجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ... )) الرواية.
وروى الصدوق في الامالي عن أبي جعفر (ع) انها نزلت في علي (ع) والفتال النيسابوري في رواية حجة الوداع والعياشي في تفسيره والقمي في تفسيره وفرات في تفسيره وغيرهم الكثير كلهم عن أبي جعفر الباقر(ع).
بل روينا عن الباقر(ع) أنها نزلت فيهم وأنهم المؤمنون المعنيون في الآية. ففي الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: مسألته عن قول الله عزوجل (( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ )) (الأعراف:160)، قال: ان الله تعالى أعظم وأعز وأجل وأمنع من أن يظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )), يعني الأئمة منا. (الكافي 1: 146). ومثلها العديد من الروايات.
ومنها يتوضح المراد في الرواية التي رواها عبد الملك عنه (ع) (لو صحت) ونقلها الطبري في تفسيره قال سألته عن هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا، قلنا بلغنا انها نزلت في علي بن أبي طالب قال: علي من الذين آمنوا. (جامع البيان 6/389)، فان الإمام (ع) هنا يريد الذين آمنوا حقاً وهم الأئمة (ع) والإمام علي (ع) أولهم فيطابق ما نقله الشيعة في ذلك.
ولكن أنظر كم اختلفوا في نقل نص هذه الرواية نفسها، فمرة المؤمنون، وأخرى المسلمون، وأخرى المهاجرون والأنصار، مع أن السند واحد!!
3- وأعجب من ذلك ما نقلوه عن عكرمة الكذاب الخارجي أنها نزلت في أبي بكر! بل العجب ممن يصدق ذلك ويذكرها في كتابه!! بل يقول: ((وروى جمع من المفسرين)) حتى يغطي على أنفراد عكرمة بالوضع فينسبها إلى جمع من المفسرين!
4- وهناك من ذكر نزولها في حق عبادة بن الصامت، وهذا خبر واحد لا يعارض المجمع عليه فلا يلتفت إليه، ومع ذلك فالرواية غير معارضة لنزولها في علي (ع) لأن عبادة في الرواية تبرأ من موالاة اليهود فأخبر الله بأن الولاية المرضاة عند الله هي المحصورة بالله ورسوله والذين آمنوا فأخبر عبادة بأوليائه بدل اليهود.
سابعاً: قوله: (الثالث: انا لا نسلم أن المراد بالولي المتولي للأمور.... الخ).
والجواب:
1- الظاهر منه أنه يسلم أن لفظة الولي تأتي بمعنى الأولى بالأمر ومستحق الطاعة والمتصرف بالأمور ولكنه ينكر إرادة هذا المعنى في الآية ولذا قال: أن المراد بالولي الناصر. وان كان ينكر هذا المعنى من أصل فبيننا وبينه أهل اللغة قال المبرد: الولي هو الأحق والمولى والأولى عبارة عن شيء واحد، انتهى. ولا نطيل أكثر من هذا.
وأما أن المراد بالآية معنى الأحق والأولى وذلك لمقام الحصر بـ(إنما) فإنها حصرت هذه الولاية بالمذكورين ونفتها عن غيرهم وقد مر استدلالنا على أن المراد من الذين آمنوا هو علي (ع) لمقام الحال من التصدق أثناء الركوع ولم يثبت لغيره ولأن ولاية النصرة عامة لجميع المؤمنين.
كذلك أنها نسبت الولاية لله وهو مالك الكل وللرسول وهو الحاكم غير المنازع فكذلك من عطف عليه وهذا هو قضية الظاهر من قولهم (فلان ولي المرأة) أي الأحق بالتصرف (وفلان ولي عهد الملك) أي واجب الطاعة بعده، فان الولي بما أنه نسب الى المرأة أوالى ولي العهد فهم من المعنى الأحق بالتصرف فكذلك عندما ينسب إلى الله ورسوله فإن الولاية لهما ولاية مخصوصة ونصرة خاصة لا كمثل نصرة المؤمنين بعضهم لبعض.
2- قال الشهيد نور الله التستري في (الصوارم المهرقة: 172) في الرد على ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: والحاصل أنه أن أريد بالولي الناصر وبالذين آمنوا جماعة من المؤمنين الذين يمكن أتصافهم بالنصرة فيستقيم الحصر حينئذٍ لكن لا يستقيم الوصف بايتاء الزكوة حال الركوع وان أريد به الناصر وبالذين آمنوا علي (ع) يبطل الحصر وأن أريد به الأولى بالتصرف وبهم علي (ع) يستقيم الحصر والوصف معاً.
3- أما قوله (لأن الكلام في تقوية قلوب المؤمنين) فهو رجوع إلى الاستدلال بقرينية السياق وقد أجبناه سابقاً وسيأتي ولكن نقول أن الاحتياج إلى القرينة يأتي فما لو أحتمل الظاهر معنين نحدد أحدهما بالقرينة لا بأن يكون المعنى مع القرينة خطأ ومنافٍ للإستعمال اللغوي كما هو مراده لمنافاته للحصر بإنما في الآية.
وأما قرينية السياق المدعاة: فإنه لم يستدل بالآية الأولى وهي (( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ )) (المائدة:51)، اذ لعله تنبه إلى بعدها عن الآية مورد الإستدلال كما ذكرنا سابقاً.
ولكنه استدل بقرينية آية الارتداد وهي قوله تعالى: (( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَومَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) (المائدة:54), وظاهرها أنها تتحدث عن أمر سيقع في المستقبل بقرينة قوله (فسيأتي الله) وفيها من التهديد والإنذار مالا يخفى وليس لتقوية قلوب المؤمنين فإنها تتحدث عن ملحمة ستأتي لاحقاً وأن الارتداد سيقع في هذه الأمة وان من يقوّمه وينصر دين الله موصوف بأوصاف ذكرها الله في الآية كلها تنطبق على علي (ع) ومن الروايات ما يؤيد ذلك فهي أولى في قرينيتها على أن المراد بالولاية في الآية اللاحقة لها ولاية الإمامة لا ولاية المحبة والنصرة وقد روي عن علي (ع) انها نازلة فيه ومن معه عندما قاتل الناكثين، وهل هناك دليل أدل دليل على الارتداد من إنكار ولاية الله المفروضة على المؤمنين لعلي (ع)؟
أما الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56)، فهي أوضح على ما قلناه لأن فيها ذكر الحزب والجماعة وذلك يستدعي وجود القيادة والإمامة ولعل هذا الأمر هو الذي أدى بالآلوسي الى اغفالها.
4- واما الآية اللاحقة وهي قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَاء وَاتَّقُوا اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ )) (المائدة:57). فهي كلام مستأنف لا علاقة له بما قبله من الآيتين فيها نهي عن ولاية ومحبة المستهزئين بالدين لأن المستهزئين كأن لا دين لهم وهي منسجمة في السياق مع ما بعدها من آيات لا مع ما قبلها، ولك أن تلاحظ وجود الحصر في الآية مورد الاستدلال دون ما أدعي من أتحادها مع الآيات التي قبلها والآيات التي بعدها وهذا يدل على أن معنى الولاية المحصور هنا غير معنى الولاية المطلق هناك.
وعليه فلم يدّع أحد أن الولاية في الآية المذكورة اللاحقة هي ولاية الإمامة، وحتى يقول أنها آبية عن حملها على الولي لمن أنصف نفسه، مع أن استدلاله لا يتم إلا بالقول باتحاد السياق في الكل حتى تكون الولاية بمعنى واحد وهذه دعوى لا دليل عليها وهي مصادرة على المطلوب.
ثامناً: قوله ( وكلمة انما المفيدة للحصر تقتضي ذلك المعنى أيضاً لأن الحصر يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة... الخ).
والجواب:
1- أن هذه الشبهة ذكرها القوشنجي في شرح التجريد وتبعه غيره عليها منهم هذا الآلوسي.
2- أن هذه الآية المذكورة نزلت أواخر حياة الرسول (ص) وفي بعض الروايات نزلت قبل حجة الوداع ومن ثم يتضح وجود النزاع والتطلع إلى الإمامة في ذلك الوقت. من قبل المعنيين والأخبار في ذلك كثيرة الدالة على أتفاق المنافقين لصرفها عن علي (ع) لما أشار إليه النبي (ص) كثيراً من أول البعثة إل أخرها.
3- ثم ان علم الله تعالى بوقوع الخلاف يكفي في ورود الحصر وصحته.
4- وقد ذكرنا سابقاً بأنه يمكن حمل الحصر على الحصر الإضافي بأقسامه من حصر الأفراد والقلب أو التعيين.
5- ثم ان وجوب وقوع التردد في الحصر هو في الحصر الإضافي لا الحقيقي وقد قدمنا صحة حمل الحصر في الآية على الحقيقي والإضافي.
ومن هنا يظهر تحقق حمل الولاية على الإمامة لا النصرة والمحبة ويدل عليه مجيء الحصر في هذه الآية لا في الآيات التي قبلها، ولا يصح إلا لإفادة معناً جديداً لم يذكر سابقاً وإلا أدى إلى التكرار وقد نهي عن ولاية اليهود والنصارى سابقاً.
تاسعاً: قوله (الرابع: أنه لو سلم أن المراد ما ذكروه فلفظ الجمع عام...الخ).
والجواب:
1- وهذه أيضاً ذكرها القاضي عبد الجبار في المغنى وتبعه عليه أكثرهم واجاب عليها علماؤنا بالتفصيل.
2- بعد وقوع الاجماع على أنها نزلت بحق علي (ع) وأنه المراد من (الذين آمنوا) لأنه المتصدق حال الركوع لا غير لا مجال للإستدلال بظهور اللفظ في العموم فأين الإرادة من الدلالة وقد ذكرنا سابقاً أن الآية جاءت للأخبار لا للإنشاء فهي ليست قضية حقيقية بل خارجية شخصية.
3- وصحة ورود الحكم العام أو المعرف الجمعي الذي لا يكون له إلا مصداق واحد في الخارج معروف في الإستعمال القرآني وله شواهد كثيرة على ذلك منها قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاء )) (الممتحنة:1). والمراد منها واحد وهو حاطب بن أبي بلتعة ومنها قوله تعالى في نفس هذه الآيات (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة...) فإنهم قالوا أن المراد منها عبد الله بن أبي.
على أن مجيء لفظ الجمع وإرادة الواحد منه كثير في الإستعمال، بل قال المرتضى(ره) أنه أصبح حقيقة شرعية في الواحد المعظم كقوله تعالى: (( أنا أرسلنا )) و (( لقد أرسلنا )) وغيرها من الآيات.
4- قوله (والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب) صحيح ولكن في حال الإنشاء لحكم لا الأخبار عن واقع خارجي كما قدمنا سابقاً مع ما قلنا من أن الاجماع وقع بان المراد هو علي (ع) في وقته مع صحة حمل الجمع على أرادة أئمتنا (ع) لورود الروايات بتحقق التصدق منهم (ع) ولم ترد بوقوعه من غيرهم المدعى لهم الإمامة وأن الحصر ينفي ولاية من تقدمه لا من لحقه من أولاده كما مر.
5- ثم ان الضرورة قاضية بحمل العام هنا على الخاص وذلك لورد الحصر والصفة الخاصة بالتصدق اثناء الركوع ولم يكن غيره (ع) في زمنه، وحمل الركوع على غير معناه المتبادر المعروف تمحل سوف يأتي الجواب عنه.
6- وقد ذكروا وجود النكتة لورود لفظ الجمع مع أن المراد واحد وهي كما قال الزمخشري لترغب الناس على الفعل وكما قال الطبرسي في مجمع البيان للتعظيم وكما قال شرف الدين في المراجعات بأن الناس لم يكونوا يتحملون التصريح باسم علي (ع) في ذلك الوقت.
7- ثم انا نلتزم بثبوت الولاية لبعض المؤمنين وهم المعنيون بالعموم من ألفاظ الجمع، ولكنهم موصوفون بوصف خاص وهو التصدق حال الركوع وهو لم يثبت إلا لعلي (ع) فاختصت الآية به في وقته واختصت بكل إمام في وقته لما ورد عندنا أنهم يتصدقون حال الركوع عند بلوغهم حد الإمامة.
وهذا غير حمل الآية على عموم المسلمين فإن ظاهر الحصر واختلاف المضاف والمضاف إليه في وليكم يمنعه.
عاشراً: قوله
فان قالوا: الضرورة متحققة ههنا أذ التصدق على السائل...الخ).
والجواب:
1- كيف يجوز أن يكون المراد من الركوع التخشع والتذلل بعد ورود الروايات والإجماع على تصدق علي (ع) حال كونه راكعاً وان الآية نزلت فيه ونص الروايات بأن رسول الله (ص) خرج يبحث عن المتصدق وسأل السائل عن حاله حال اعطاءه الخاتم، فهل بعد فهم الرسول (ص) وأصحابه يلتفت إلى ما يحتمله هؤلاء المتشدقين وهل هذا إلا تنطع وصقاعة!! والوقوع أدل دليل على المراد والعجب من هذا الآلوسي بعد أن نقل عن ابن عباس رواية أبن سلام وفيها نص على التصدق حال الركوع يأتي ويقول أن المراد من الركوع هو الخشوع والتذلل فهل رأيت تهافت ودفع للحق أكثر من هذا!!
2- ولقد أجبنا على هذا القول من أن المراد بالركوع الخشوع فيما مضى تحت (ثالثاً) فراجع، ومجمله (أن الركوع معناه الانحناء والتطأطوء كما نص أهل للغة وحمله على الخشوع والخصوع مجاز ولا يحمل على المجاز إلا بقرينة كما في الأمثلة التي أوردها هو.
وعليه فان معنى الركوع في اللغة والشرع هو الانحناء والتطأطوء المعروف في الصلاة فما يوحي به الآلوسي في عبارته من أنه معنى شرعي غلط ووهم متعمد منه.
وفهم العرف والشيعة منه على أنه الانحناء مطابق لمعناه اللغوي والشرعي لا أخذاً بالمعنى الشرعي مقابل اللغوي كما يريد أن يوهم القاريء، فلاحظ.
3- ثم انا نحمل الزكاة على معناها اللغوي أيضاً اذ الزكاة هي أعطاء المال لوجه الله من أجل نيل الثواب، ثم انتقل معناها إلى المعنى الشرعي الشامل للواجب والمستحب فاصبحت مشتركة في المعنيين فهي قبل الشرع تشمل الصدقة لغة كما قال تعالى: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ )) (الأنبياء: 73). فإنه لم يكن هناك زكاة قبل الإسلام وقوله تعالى: (( قَد أَفلَحَ مَن تَزَكَّى )) (الأعلى:14), وغيرها من الآيات.
ثم إن قلنا أن المعنى الشرعي هو المراد وأنه مشترك بين الواجب والمندوب فهو، وإلا حمل على المندوب بقرينة الروايات المجمع عليها التي تنص على أنه (ع) أعطى الصدقة.
قال الجصاص في أحكام القرآن: نظير قوله تعالى: (( وَمَا آتَيتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ )) (الروم:39). قد أنتظم صدقة الفرض والنفل فصار أسم الزكاة يتناول الفرض والنفل كأسم الصدقة وكأسم الصلاة ينتظم الأمرين (أحكام القرآن 2: 558).
4- أما ما قاله من البعدية، فان كان المراد منه استبعاد تصدق علي (ع) أثناء الركوع فهذا تكذبه الروايات وأن كان الاستبعاد من جهة أن هذا الفعل من الصدقة في الركوع لا يسمى زكاة فقد اجبنا عليه آنفاً. ومن هنا لم نفهم من هذه البعدية شيء سوى أنها موجودة في رأس الآلوسي.
5- أما ما نقله عن بعض أهل السنة من أن حمل الركوع على معناه الشرعي يوجب قصوراً بيناً في مفهوم (يقيمون الصلاة)، ان كان يريد منه قصوراً في مفهوم الصلاة المركبة من أجزاء وشرائط فقد نص الفقهاء على عدم الخدشة في ذلك بالفعل القليل. وان كان يريد قصوراً في مفهوم الصلاة الكاملة والمنقطعة التوجه إلى الله. فإن نص القرآن على مدح ذلك ونص الروايات وفقه أمير المؤمنين (ع) المعروف عنه يرد ذلك.
كما أن فعل رسول الله (ص) بحمل أمامة وحكه للنخامة من على جدار المسجد في صلاته يرد ذلك.
هذا كله لو سلمنا أصل المدعى ولا نسلم، وهو كون دخول عبادة في ضمن عبادة على هذا الشكل قصوراً بل هو منتهى الانقطاع والكمال ومصداق للأمر بالمسارعة للخيارات الواردة في القرآن.
الحادية عشرة: قوله (وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي عن أصل الاستدلال بأن الدليل قائم في غير محل النزاع... الخ).
والجواب:
1- الحمد لله لاعتراف الشيخ الكردي بدلالة الآية على الولاية العامة بعد أن كانوا يصرون على أنها بمعنى النصرة.
2- أن هذه الشبهة ذكرها القوشجي في شرحه على التجريد وقبله عبد الجبار في المغني ثم أخذها من جاء بعدهما وقد أجاب عليها علمائنا بالتفصيل.
3- وكيف أن الآية ليست في محل النزاع وقضية الحصر أن لا ولي غير الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة وهم راكعون وهو علي (ع) في زمنه، فلا مشاركة لأحد في الولاية لغير المذكورين في الآية، ولو كان أحد غيره ولياً بعد رسولا الله لانتقض الحصر وأصبح واضح لغوا في الآية.
4- لقد ذكرنا سابقاً: أن ولايته (ع) ولاية بالطول لا بالعرض كما كانت ولاية هارون مع موسى (ع) فإذا غاب من له حق التصرف الفعلي أنتقل مباشرة لمن ثبت له التصرف بعده مباشرة ولا يدخل أحد بينهما في البين.
وربما مُثل لذلك بالوصي حال حياة الموصي وبولي العهد حال حياة القائم بالأمر والملك.
5- ولقد ذكرنا سابقاً أن معنى الولاية هي ثبوت حق الطاعة وحق التصرف وهي ثابتة له (ع) في زمن رسول الله (ص) بدليل قصة الجارية التي اصطفاها من سبي اليمن. وإنما كان يمنع من استقلاله بها حياة رسول الله (ص)، فإذا مات انتقلت له بالمباشرة مع أن الآية صريحة في ثبوت الولاية في الحال ولكن أنعقد الإجماع أنها معلقة له (ع) حال حياة رسول الله (ص)، فإذا ذهب (ص) فلا إجماع وثبت له مباشرة وهذا أقل ما يثبت بالآية وإلا فقصة الجارية تثبت له حق التصرف والطاعة مع حياة رسول الله (ص)، إذا لم يكن حاضراً ومتأخراً عنه إذا كان حاضراً بل لعله لمكانة العصمة منه (ع) كان لا يصدر منه خلاف لرسول الله (ص) وأن ثبت له حق الطاعة والتصرف معه.
ودلالة حديث المنزلة يثبت له ما ثبت لهارون من موسى (ع) وقد قال الله تعالى: (( اجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي شدد به أزري واشركه في أمري )) وهي واضحة في الشراكة.
6- ومن هنا تعرف أن ما نسبه إلى الإمامية من أنهم لا يقولون أنها مرادة زمن الخطاب لأن ذلك عهد النبوة هو زعم في زعم وعدم فهم لقولهم بالطولية والنيابة، فإن حق الولاية والتصرف والطاعة يثبت ولكنه على أقل الأحوال موقوف إلى زمن الإنفراد واستقلاله في زمن حياته، نعم ربما نقول تنزلاً أن فعليتها لا تتم إلا بعد انتقال النبي (ص).
7- ثم لو سلمنا من أن زمن الخطاب غير مراد بخصوصه (ع) ولكنه يثبت له في أول آن بعد وفاة رسول الله (ص) بمقتضى ظاهر الآية والحصر الذي فيها فكيف دخل الاغبار في البين ومن أين لهم ذلك النقض على الآية.
8ـ ثم ان قضية العطف في الآية تثبت للمعطوف النفس ما للمعطوف عليه وولاية الله ورسوله ثابتة في كل الأحوال فكذلك ولايته (ع)، وبما أن الدليل قام على عدم ثبوتها له بالعرض مع رسول الله (ص) بل الطول ثبتت له بعده (ص) مباشرة.
9- بل أن ولايته ثابتة على الدوام لأسمية الجملة، وان كلمة الولي صفة مشبهة، وهما دالتان على الدوام والثبات، فيثبت كونه وليا للمسلمين دائماً وان تسلط غيره على رقابهم.
الثانية عشرة: قوله (ومن العجائب أن صاحب أظهار الحق... الخ).
والجواب:
1- ليس غاية صاحب أظهار الحق تصحيح الاستدلال، فان الاستدلال كما مضى آنفاً تام لا خدشة فيه، وإنما غرضه الزام المخالفين حتى على قولهم بأن المراد من الولاية في الآية المحبة.
2- أن ما نقله الآلوسي من مختصر التحفة الاثني عشرية لم ينقله بالكامل، بل لم ينقله بالدقة والضبط ولذا فإن فيه اختصاراً وبعض الأخطاء، ونحن سنحاول أن نجيب على ما نعتقد أنه مراده بالمقارنة بين تفسير روح المعاني ومختصر التحفة.
3- على التسليم بأن المراد بالولاية في الآية هي المحبة، فهي قطعاً ليست المحبة الواقعة بين كل المؤمنين كما في الآية: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )), وذلك لوجهين.
أ- مقام الحصر والتعاطف بين الله ورسوله والذين آمنوا، فإن الحصر لا يصح إلا بالتغاير بين هذه المحبة وتلك وكذلك محبة الله مطلقة غير مقيدة والمعطوف عليها كذلك.
ب- لو قلنا أن في الآية ادعاء بأن المحبة بين المؤمنين كلا محبة أو ليست محبة حقيقة وإنما المحبة هي لله ورسوله والذين آمنوا، فلابد لهذا الادعاء والتنزيل من نكتة أو إضافة معنى في هذه المحبة فوق معنى تلك المحبة العامة، ولا نكتة ولا إضافة معنى غير أن هذه المحبة محبة مطلقة غير مقيدة بقيد ولا شرط. وهذا هو قولنا.
4- وإذا ثبت وجوب المحبة المطلقة ثبت وجوب الطاعة والاتباع لقوله تعالى: (( قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللّهُ )) (آل عمران:31)، وهي كبرى القياس في القضية، وصغرى القياس ما ثبت في النقطة ا