المبحث الأول: الشعائر الحسينية طقوس لم تكن على عهد الأئمة:-
أخي القارئ إن ما يفعله الشيعة في المآتم والحسينيات مثل اللطم والنياحة والتطبير وغيرها لم تكن على عهد الأئمة باعتراف علماء الشيعة، وقد ذكر نجم الدين أبو القاسم الشيعي المعروف بالمحقق الحلي بأن الجلوس للتعزية لم ينقل عن أحد من الصحابة والأئمة، وأن اتخاذه مخالف لسنة السلف([1])، وهذا يعني أن المآتم والشعائر الحسينية من البدع التي يجب تركها، كما اعترف بهذا شيخهم آية الله العظمى جواد التبريزي عندما وجه له هذا السؤال:
ما هو رأيكم في الشعائر الحسينية وما هو الرد على القائلين بأنها طقوس لم تكن على عهد الأئمة الأطهار عليهم السلام فلا مشروعية لها؟
فأجاب: (كانت الشيعة على عهد الأئمة عليهم السلام تعيش التقية وعدم وجود الشعائر في وقتهم لعدم إمكانها لا يدل على عدم المشروعية في هذه الأزمنة، ولو كانت الشيعة في ذاك الوقت تعيش مثل هذه الأزمنة من حيث إمكانية إظهار الشعائر وإقامتها لفعلوا كما فعلنا، مثل نصب الأعلام السوداء على أبواب الحسينيات بل الدور إظهاراً للحزن).([2]).
وبمثل هذا اعترف علامتهم آية الله العظمى علي الحسيني الفاني الأصفهاني([3]) حيث أورد هذه الشبهة:
(إنه لم تعهد هذه الأمور في زمن المعصومين عليهم السلام وهم أهل المصيبة وأولى بالتعزية على الحسين عليه السلام، ولم يرد في حديث أمر بها منهم، فهذه أمور ابتدعها الشيعة وسموها الشعائر المذهبية والمأثور أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فأجاب الفاني الأصفهاني بقوله: والجواب واضح جداً أن ليس كل جديد بدعة إذ البدعة المبغوضة عبارة عن تشريع حكم اقتراحي لم يكن في الدين، ولا من الدين، والروايات الواردة في ذم البدعة والمبتدع ناظرة إلى التشريع في الدين، بل هي واردة مورد حكم العقل بقبح التشريع من غير المشرع بعنوان أنه شرع إلهي ومستمد من الوحي السماوي، و إلا فأين محل الشبهات الحكمية التي وردت الروايات بالبراءة فيها وحكم العقل بقبح العقاب عليها؟ وبديهي أن الشعائر الحسينية ليست كذلك كيف والإبكاء مأمور به([4])، وهو فعل توليدي يحتاج إلى سبب وهو إما قولي: كذكر المصائب، وإنشاء المراثي، أو عملي: كما في عمل الشبيه فللفقيه أن يحكم بجواز تلك الشعائر لما يترتب عليها من الإبكاء الراجح البتة كما أن التعزية عنوان قصدي ولا بد له من مبرر ونرى أن مبررات العزاء في الملل المختلفة مختلقة وما تعارف عند الشيعة ليس مما نهى عنه الشرع أو حكم قبحه العقل وعلى المشكك أن يفهم المراد من البدعة ثم يطبقها على ما يشاء إن أمكن).([5])
قال حسن مغنية: (جاء العهد البويهي في القرن الرابع الهجري فتحرر هذا اليوم([6])، وتجلى كما ينبغي حزيناً في بغداد والعراق كله وخراسان وما وراء النهر والدنيا كلها، إذ أخذت تتوشح البلاد بالسواد، ويخرج الناس بأتم ما تخرج الفجيعة الحية أهلها الثاكلين، وكذلك الحال في العهد الحمداني في حلب والموصل وما والاهم، أما في العهود الفاطمية فكانت المراسيم الحسينية في عاشوراء تخضع لمراسيم بغداد، وتقتصر على الأصول المبسطة التي تجري الآن في جميع الأقطار الإسلامية والعربية، وخاصة في العراق وإيران والهند وسوريا والحجاز فتقام المآتم والمناحات وتعقد لتسكب العبرات، وأصبحت إقامة الشعائر الحسينية مظهراً من مظاهر خدمة الحق وإعلان الحقيقة).([7])([8])
ثم يستعرض إمامهم وشهيدهم آية الله حسن الشيرازي الأدوار التي مرت بها هذه الشعائر فيشتكي من الظلم الذي منع الشيعة من إظهار هذه الشعائر فيقول: (غير أن الشيعة لم يقدروا على هذا التعبير الجريء عندما كانوا يرزحون في ظلمات بني أمية وبني العباس وإنما اختلفت عليهم الظروف القاسية والرخية اختلاف الفصول على مشاتل الورد فاختلفت تعبيراتهم باختلافها).([9]).
ثم ذكر الشيرازي خمسة أدوار:
الدور الأول: وهو دور الأئمة. قال الشيرازي: (انحصر فيه تعبير الشيعة على تجمع نفر منهم في بيت أحدهم، إنشاد فرد منهم أبيات من الشعر، أو تلاوته أحاديث في رثاء أهل البيت، وبكاء الآخرين بكل تكتم وإخفاء وتقية الحكومات الظالمة أن تطيش بهم في جنون فتطير رؤوسهم).([10]).
قلت: وهذا كلام مردود وهو من كيس الشيرازي؛ لأنه لم يذكر أي مصدر نقل منه هذا الكلام.
الدور الثاني: دور بني العباس. وقد اشتكى الشيرازي من هذا الدور إلا أنه عاد فقال: (فتوسعت مجالس التأبين على الإمام الشهيد وعلت برثائه المنابر؛ ولكن في إطار محدود يفصله عن حركة التشيع).([11]).
قلت: وكلام الشيرازي هذا مردود أيضا وقد قام هو بنسفه عندما قال: (... ولكن في إطار محدود يفصله عن حركة التشيع) فما الفائدة إذن من استشهادك به؟.
الدور الثالث: ثم يذكر الشيرازي الدور الثالث فيقول: (دور البويهيين والديالمة والفاطميين وخاصة أيام معز الدولة الديلمي، الذين رفعوا الإرهاب، وأطلقوا طاقات الشيعة، ومكنوهم من إخراج مجالس التأبين عن الدور إلى المجامع والشوارع والساحات العامة،وإعلان الحداد الرسمي العام يوم عاشوراء، وإغلاق الأسواق، وتنظيم المواكب المتجولة في الشوارع والساحات).([12]).
الدور الرابع: ثم يذكر الدور الرابع فيقول: (دور الصفويين وخاصة عهد العلامة المجلسي الذي شجع الشيعة على ممارسة شعائرهم بكل حرية فأضافوا إليها التمثيل الذي كان إبداعاً منهم لتجسيد المأساة).([13])
الدور الخامس: ثم يذكر الدور الخامس فيقول: (دور الفقهاء المتأخرين وعلى رأسهم الشيخ مرتضى الأنصاري وآية الله الدربندي حيث أكثرت الشيعة من مواكب السلاسل والتطبير).([14]).
ثم عاد الشيرازي ليعترف بما اعترف به التبريزي والفاني الأصفهاني فقال: (ولو أن الشيعة في عهود الأئمة عليهم السلام وجدوا الحرية الكاملة لأقاموا هذه الشعائر القائمة اليوم وأكثر، غير أنهم لم يكونوا يجدون الحرية الكافية للتعبير الكامل عن مدى انفعالهم في كل العصور).([15]).
فقول الشيرازي: (لأقاموا هذه الشعائر القائمة اليوم) دليل على أن هذه الشعائر القائمة اليوم لم تكن قائمة في تلك العصور التي تكلم عنها. إذن هذه الشعائر لم تكن على عهد الأئمة ولم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فهي من محدثات الأمور التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار}.
فعلى الشيعي المنصف أن يدرك هذا ويعيد النظر في حضوره ومواظبته على هذه المآتم.
وقبل أن ننهي هذا الفصل نوقف القارئ الكريم على إجابة محمد حسين فضل الله على من سأله عن تأسيس المأتم الحسيني.
قال حسين فضل الله: (المأتم الحسيني أسسه أئمة أهل البيت (ع) الذين كانوا يعقدونه في بيوتهم ويستدعون من يقرأ الأشعار التي تذكر مصيبة الحسين عليه السلام بطريقة عاطفية)([16]).
وقد سئل بمناسبة سابقة عن تأسيس المأتم الحسيني فأجاب: (لا يبعد أن تأسيس الحسينيات انطلق من فكرة احترام المسجد؛ لأن الناس قد يحتاجون إلى الاستماع لعزاء الحسين عليه السلام أو للمواعظ والإرشادات وفيهم الجنب وفيهم الحائض ومن جهة عدم جواز تنجيس المسجد فلربما جعلت الحسينيات إلى جانب المساجد لا لتكون بديلة عنها فهذا ما لم يفكر فيه أحد، ولكن من أجل حماية المساجد وإفساح المجال للاستماع للموعظة والذكرى الحسينية حتى يحضرها كل الناس حتى لو أدى ذلك إلى تنجيسها أو ما إلى ذلك، ولا نعرف متى بدأ إنشاء الحسينيات).([17]).
قلت: فلاحظ أنه أول الأمر زعم أن أئمة أهل البيت هم الذين أنشأوا المآتم الحسينية، ثم جاء بعد ذلك ليقول: إنها انطلقت من فكرة احترام المسجد، وأنه لا يعرف متى بدأ إنشاء الحسينيات.
ا