اقول في البدء وان وجدت روايات في هذا الزواج فلا بد من البحث المنطقي لهذا الزواج:
تـقـديـم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين .. واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
وبعد ..
فقد كثر السؤال عن حقيقة زواج السيدة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ، بعمر بن الخطاب .. ربما لأن الأجوبة التي يسمعها السائلون لا تأتي عادة على درجة كافية من الوضوح والقوة ، بل تكون في الغالب ممزوجة بقدر كبير من الترديد والشك والإرتياب ، الأمر الذي يدعو إلى المزيد من تداول الحديث حول هذا الأمر ، وإنتقال : هذا الشك إلى آخرين ، عن هذا الطريق .. وليكثر بذلك السائلون ، ولتزيد معاناة المسؤولين ..
فمست الحاجة إلى التعرض لبحث هذه القضية بالمقدار الذي يعطي تصوراً ، عن حقيقة ما جرى .. وكانت حصيلة معاناة ذلك هو هذا البحث الذي نقدمه إلى القارئ الكريم، على أمل أن يجد فيه ما يكفي للإجابة على ما يراود فكره من تساؤلات ، وما يثيره الإبهام في هذا الأمر من شكوك.
وإذا جاز لي أن أثقل على من يطالع هذا البحث بشيء ، فإن رجائي الأكيد منه هو إن لا يبخل علي بما يراه ضرورياً في توضيح المراد ، أو تصحيح المفاد ، فإني لا أبرئ نفسي من الخطأ والزلل .. والله هو العاصم والولي .. ومنه نطلب التوفيق والسداد ، والهداية إلى طريق الرشاد ، إنه ولي قدير.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
شهر محرم الحرام سنة 1423 هـ. بيروت.
جعفر مرتضى العاملي.
تمهيد وتوطئة
سوآلان :
لقد ورد علينا سؤال يقول : ما السبب في أنه ليس لأم كلثوم ذكر كثير ، مثل السبطين وزينب (ع) ؟!.
وورد سؤال آخر يقول : فقد تم إثبات عدم زواجها من الثاني .. إذن فمن هو زوجها؟ وهل كان ثمة من أطفال؟.
الجواب عن السؤال الأول : ونقول في الجواب عن السؤال عن السبب في عدم ذكر أم كلثوم كثيراًًً ، ما يلي :
إنه مع وجود الأئمة الأطهار (ع) ومع وجود السيدة زينب (ع) ، فإن طبيعة الأمور تقضي بأن تكون الحركة العامة والفاعلة والمؤثرة هي لهؤلاء ، دون سواهم ،
وذلك لأنهم القادة الحقيقيون ولهم دون غيرهم السيادة ، ولا يسمح الوجدان ، والإنصاف والدين ، لأحد سواهم أن يدخل في وهمه أن يجاريهم ، فضلاًً ، عن أن يتقدمهم ، أو إن يعتقد لنفسه حقاًً في شيء من ذلك دونهم.
علي (ع) مع الرسول (ص) :
وقد كان هذا هو حال علي (ع) مع رسول الله (ص) ، فإنك لا تكاد تجد ذكراًً كثيراًًً لأمير المؤمنين (ع) آنئذ ، إلاّ في حدود العمل بالواجب الموكل إليه ، وتنفيذ أوامر رسول الله (ص) ، فكان (ع) الرجل السامع المطيع لله ولرسوله ، الذي لا يجيز لنفسه أن يكون له صوت أو حركة إلاّ في سياق الإستجابة إلى ما يطلبه رسول الله منه ، ويدفعه إليه.
وذلك يجعلك تشعر أن رسول الله (ص) هو المتصرف في الأمور ، وهو وحده الذي يحكم ويقرر في كل شيء ، أما علي (ع) ، فإنك تكاد لا تشعر بأنه موجود أصلاًًً ، إلاّ على النحوالذي أشرنا إليه.
أما غير علي صلوات الله وسلامه عليه ، فإنهم كانوا جريئين على رسول الله (ص) ، فهم يعترضون ويجادلون ، ويقترحون ، ويرفضون ، بجرأة تارة ، ويقبلون على مضض أخرى ، أو عن رضى ثالثة ، ثم تعلو أصواتهم في بعض الحالات ، حتى إذا جاء التهديد الإلهي كما حصل بالنسبة لقوله تعالى : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين [1].. فإنهم يستكينون ويسكتون حتى لا تكاد تسمع لهم صوتاًًً إلاّ على سبيل الهمس والإشارة.
ولم يكن علي (ع) كهؤلاء أبداًً ، بل هو يرى أن للنبي (ص) ـ دون سواه ـ الأمر والنهي ، والقرار ، والموقف ، وليس عليه هو وعلى غيره إلاّ السمع والطاعة ، والإنقياد والتسليم .. وقد كان هذا هو الفرق أيضاًًً بين عائشة وأم سلمة في بيت رسول الله (ص) ،وكان ذلك هو حال الحسنين مع أبيهما صلوات الله وسلامه عليهم ، وحال الحسين (ع) مع الإمام الحسن (ع) ، وهكذا كان حال هارون مع موسى ، فإن حال هؤلاء جميعاًًًً لا يختلف عن حال علي مع رسول الله (ص).
الزهراء .. وزينب (ع) :
فلا غرابة إذن في أنك لو رجعت إلى حياة الزهراء سلام الله عليها في عهد رسول الله (ص) ، ومع علي (ع) ، فإنك لا تجد لها حركة ظاهرة ولا نشاطاً بارزاً ، خصوصاًً فيما يرتبط بالنشاطات الإجتماعية ، أو السياسية ، أو الثقافية العامة وما إلى ذلك ، كما ربما يتوقعه بعض من يدعو إلى إعطاء أدوار للمرأة في هذه الأيام (!!!).
فلم تكن لها نشاطات إجتماعية ، كالقيام بمشاريع رعاية أيتام ، أو مساعدة فقراء ، أو عجزة ، ولا نشاطات ثقافية كإلقاء محاضرات ، ولا مشاركة في ندوات ، ولا ممارسة لأعمال سياسية ، ولا تواجد لها في المواقع الإدارية العامة ، ولا كان لها دور في مجلس الشورى.. ولا.. ولا.. ولا.. وكذلك الحال بالنسبة للسيدة زينب (ع) ، فإن دورها الظاهر إنما هو في قضية كربلاء ، ودور الزهراء (ع) الظاهر إنما هو فيما جرى بعد رسول الله (ص).. وفيما عدا ذلك ، فإن الحركة والنشاط بمختلف أشكاله إنما كان لأبيها (عليها السلام) ، ولأمير المؤمنين ، وللحسنين صلوات الله عليهم وعلى أبنائهم الأئمة الطاهرين.
وقد كان نفس تجسد كمال الزهراء (ع) ، ونفس وجودها المقدس هو المطلوب ، وهو الغاية ، وكذا الحال في زينب وخديجة ، وأم سلمة ، وغيرهن من النساء. وقد تحدثنا ، عن هذا الأمر في كتابنا: مأساة الزهراء (ع) فليراجع..
فلا معنى إذن لأن نطلب من أم كلثوم (ع) نشاطاً يضارع ما نراه من الحسنين (ع) ، أو حتى من زينب (ع).
الجواب عن السؤال الثاني : وأما بالنسبة لقولكم في سؤالكم الثاني : إنه قد تم إثبات عدم زواجها من الثاني؟ وهل كان ثمة من أطفال؟.. فنقول :
إن ذلك لم يتم إثباته بشكل حاسم وأكيد .. بل إن أهل السنة يؤكدون وقـوع هـذا الزواج [2] وهناك روايـات عديدة مـن طـرق السنة والشيعة تؤكد وقوعه.
وعدد من الروايات الواردة من طريق الخاصة ، عن الأئمة (ع) صحيح ومعتبر من حيث السند ، وقد أدعي الشيخ التستري تواترها [3] ، ولكنها دعوى يصعب إثباتها ، نعم هي روايات مستفيضة بلا ريب ، ولكن ثبوت هذا الزواج ، لا يعني أنه قد جاء في سياقه الطبيعي والمألوف .. إذ أن ثمة تأكيداً قوياًًً على أن هذا الزواج قد تم على سبيل الجبر والقهر. وقد نجد ما يؤيد ذلك ويدل عليه في روايات أهل السنة أيضاًًً.
ونحن نجمل الحديث حول هذه القضية في ما يأتي من فصول.
القسم الأول
حديث الزواج بين الأخذ والرد
الفصل الأول
من النصوص والآثار
روايات هذا الزواج :
إن في روايات زواج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (ع) بعمر بن الخطاب الكثير من الإختلاف ، والتباين ، وسوف يفرض هذا البحث علينا التعرض إلى كثير من الجزئيات والخصوصيات والتفاصيل التي وردت في الروايات المختلفة ، لكن تسهيل الأمر على القارئ ، يفرض علينا أيضاًًً أن نقدم له من النصوص ما يستطيع أن يعطيه تصوراً أولياً لموضوع البحث ، وقد رأينا أن نختار نصوصاً يوردها أهل السنة ، ويتحفظ الشيعة على بعض الخصوصيات الواردة فيها .. ثم نورد نصوصاً أخرى وردت في مصادر الشيعة الإمامية ، ويتحفظ أهل السنة على بعض الخصوصيات الواردة فيها فنقول : نصوص رواها أهل السنة :
إن الأحاديث التي رواها أهل السنة ، كثيرة ومتنوعة ، ونكتفي هنا بذكر النص الذي أورده أحمد زيني دحلان ، فإنه كاف في بيان ما نرمي إليه ، والنص هو التالي :
أخرج أبو يعلي والطبراني : أن عمر بن الخطاب (ر) خطب من علي إبنته أم كلثوم (ر) ، بنت فاطمة (ر) ، وقال : سمعت رسول الله (ص) : يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي ، وكل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولدي فاطمة فإني أبوهم وعصبتهم.
ثم قال عمر : وإني وإن كانت لي صحبة للنبي (ص) فأحببت أن يكون لي معها سبب ونسب.
وقصة تزوج عمر بأم كلثوم بنت علي رواها الأئمة من طرق كثيرة ، منهم الطبراني ، والبيهقي ، والدار قطني.
وأكثر طرق الحديث مروية ، عن أكابر أهل البيت النبوي ، منهم جعفر الصادق ، عن أبيه محمد الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، أن علياًً عزل بناته لولد أخيه جعفر بن أبي طالب (ر) ، فلقي عمر علياًً (ر) ، فقال : يا أبا الحسن ، أنكحني إبنتك أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسـول الله (ص) :
فقال : قد حبستهن لولد أخي جعفر.
فقال عمر : والله ، ما علي وجه الأرض يرصد من حسن صحبتها ما أرصد ، فأنكحني يا أبا الحسن.
فقال علي : إنها صغيرة.
فقال عمر : ما ذاك بك ، ولكن أردت منعي ، فإن كانت كما تقول فإبعثها إلي.
وفي رواية أنه لما قال له : إنها صغيرة قال له : ما بي حاجة إلى الباءة ، ولكن سمعت رسول الله (ص) : يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي ، وكل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فأنا : أبوهم وعصبتهم ، فأحببت أن يكون لي : من رسول الله سبب ونسب.
وفي رواية : وإنه كان لي صحبة ، فأحببت أن يكون لي معها سبب.
فقال علي : إن لي أمراء حتى أستأذنهم.
وفي رواية : إن لي أسدين حتى أستأذنهما ، يعني الحسن والحسين ، فإستأذن ولد فاطمة ، فأذنوا له.
وفي رواية : أنه لما استأذنهما ، يعني الحسن والحسين ، وقال : إني كرهت أن أقضي أمراًً دونكما ، فسكت الحسين ، لكون أخيه الحسن أكبر منه ، وتكلم الحسن ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أبتاه ، فمن بعد عمر صحب رسول الله (ص) ، وتوفي وهو عنه راض ، ثم ولي الخلافة فعدل.
فقال له أبوه : صدقت ، ولكن كرهت أن أقطع أمراًً دونكما ، ثم قال لها علي : إنطلقي إلى أمير المؤمنين ، فقولي له : إن أبي يقرئك السلام ، ويقول لك : إنا قد قضينا حاجتك.
وفي رواية : فأعطاها حلة ، وقال لها : قولي له : هذا البرد الذي قال : لك.
فقالت ذلك لعمر ، فقال : قولي له : قد رضيت ، حصان كريم ، ما أحسنها وأجملها ، ووضع يده على ساقها.
وفي رواية : فضمها إليه ، فقالت : تفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثم خرجت حتى أتت أباها ، فأخبرته الخبر قالت : بعثتني إلى شيخ سوء.
فقال : يا بنية ، إنه زوجك ، ثم زوجه إياها ، فجاء عمر إلى مجلسه بين الروضة والمنبر ، حيث مجلس المهاجرين والأنصار ، وذكر لهم الخبر.
وفي رواية قال لهم : رفئوني ، أي قولوا لي : بالرفاه والبنين.
فقالوا : بمن يا أمير المؤمنين؟
فقال : تزوجت أم كلثوم بنت علي ، سمعت رسول الله (ص) ، ثم ذكر لهم الحديث السابق.
وجعل لها مهراًً أربعين الفاًً ، فولدت له زيداًًً ورقية ، ولم يعقبا ، ومات عمر عنها ، وتزوجها بعده إبن عمها عون بن جعفر بن أبي طالب ، فمات عنها ، وتزوجها بعده أخوه محمد بن جعفر ، فمات عنها ، وتزوجها بعده أخوه عبد الله بن جعفر ، فماتت عنده ، ولم تلد لأحد من الثلاثة شيئاًً [4].
نصوص رواها الشيعة الإمامية : وأما النصوص التي رواها الشيعة ، فنذكر منها ما يلي :
من كتاب الحسين بن سعيد ، عن إبن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله (ع) : لما خطب عمر إلى أمير المؤمنين(ع) قال له(ع) : إنها صبية ، قال : فأتى العباس فقال : ما لي؟ أبي بأس؟!.
فقال له : وما ذاك.
قال : خطبت إلى إبن أخيك فردني (وفي نص المرتضى : فدافعني وصانعني وأنف من مصاهرتي) أما والله لأعورن زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها ، ولأقيمن عليه شاهدين أنه سرق ، ولأقطعن يمينه ، فأتاه العباس فأخبره ، وسلهن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه [5].
وقد رواها : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إبن أبي عمير .. والسند معتبر ، كما هو ظاهر ، وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إبن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، وحمّاد ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله (ع) في تزويج أم كلثوم ، فقال : إن ذلك فرج غصبناه [6].
وقال البياضي (رحمه الله) : قد روى أهل المذاهب الأربعة ، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي مسنداًً إلى الصادق (ع) : أنه قال ذلك فرج غصبنا عليه ، وروته الفرقة المحقة أيضاًً [7].
وقد وصف المجلسي كلاً من هذين الحديثين - أي حديث هشام بن سالم ، وحديث زرارة - بأنه : حسن ، لكنه قال : إن هذين الخبرين لا يدلان علي وقوع تزويج أم كلثوم من عمر [8].
وروي في الكافي بسند موثق ، عن حميد بن زياد ، عن إبن سماعة ، عن محمد بن زياد ، عن عبد الله بن سنان ، ومعاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته ، عن المرأة المتوفى عنها زوجها : أتعتد في بيتها ، أو حيث شاءت؟.
قال حيث شاءت ، إن علياًً لما توفي عمر أتى أم كلثوم ، فإنطلق بها إلى بيته [9].
وروي أيضاًً نحو ذلك بسند صحيح ، فقد روى محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن يحـيى وغيره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله (ع) ، عن إمرأة توفي عنها زوجها أين تعتد؟ في بيت زوجها تعتد؟ أو حيث شاءت؟ ، قال حيث شاءت ، ثم قال : إن علياًً (ع) لما مات عمر أتى أم كلثوم ، فأخذ بيدها ، فإنطلق بها إلى بيته [10].
وعن الشعبي قال : نقل علي (ر) أم كلثوم بعد قتل عمر (ر) بسبع ليال ، ورواه سفيان الثوري في جامعه وقال : لأنها كانت في دار الإمارة [11].
وعن جعفر ، عن أبيه (ع) : نقل علي بن أبي طالب إبنته أم كلثوم في عدتها ، حين مات زوجها عمر بن الخطاب ، لأنها كانت في دار الإمارة [12].
وروى الشيخ ، عن محمد بن أحمد بن يحـيى ، عن جعفر بن محمد القمي ، عن قداح ، عن جعفر ، عن أبيه(ع) قال : ماتت أم كلثوم بنت علي (ع) وأبنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة ، لا يدرى أيهما هلك قبل ، فلم يورث أحدهما من الآخر ، وصلي عليهما جميعاًًً [13].
وروى أبو القاسم الكوفي : ـ ونسب ذلك إلى رواية مشايخه عامة ـ أن عمر بعث العباس إلى علي يسلهن يزوجه بأم كلثوم ، فإمتنع ، فأخبره بإمتناعه فقال : أيأنف من تزويجي؟ ، والله ، لئن لم يزوجني لأقتلنه.
فإعلم العباس علياًً (ع) بذلك فأقام على الإمتناع ، فإعلم عمر بذلك ، فقال عمر : أحضر في يوم الجمعة في المسجد ، وكن قريباًًً من المنبر لتسمع ما يجري ، فتعلم أني قادر على قتله إن أردت ، فحضر ، فقال عمر للناس : إن ههنا رجلاًًً من أصحاب محمد وقد زنى ، وقد إطلع عليه أمير المؤمنين وحده ، فما أنتم قائلون ، فقال الناس من كل جانب : إذا كان أمير المؤمنين إطلع عليه فما الحاجة إلى أن يطلع عليه غيره ، وليمض في حكم الله.
فلما إنصرف طلب عمر من العباس : أن يعلم علياًً بما سمع. فوالله ، لئن لم يفعل لأفعلن ، فأعلم العباس علياًً بذلك ، فقال (ع) : أنا أعلم أن ذلك يهون عليه ، وما كنت بالذي يفعل ما يلتمسه أبداًً ، فأقسم عليه العباس : أن يجعل أمرها إليه ، ومضى العباس إلى عمر فزوجه إياها [14].
وقد إعتبر صاحب الإستغاثة .. أن نفس جعل علي (ع) أمر إبنته هذه دون سواها إلى العباس دليل علي وجود قهر وإجبار كان قد مورس ضد علي (ع).
بل لقد ورد في نص آخر : أنه أمر الزبير أن يضع درعه على سطح علي ، فوضعه بالرمح ، ليرميه بالسرقة [15].
وقال السيد المرتضى : وعمر ألحّ على علي (ع) ، وتوعده بما خاف علي على أمر عظيم فيه من ظهور ما لم يزل يخفيه ، فسأله العباس ـ لما رأى ذلك ـ رد أمرها إليه ، فزوجها منه(ع).
وقال في أعلام الورى قال أصحابنا : إنما زوجها منه بعد مدافعة كثيرة ، وإمتناع شديداًًً ، وإعتلال عليه بشيء بعد شيء حتى الجأته الضرورة إلى أن رد أمرها إلى العباس بن عبد المطلب ، فزوجها إياه [16].
الفصل الثاني
الإختلاف .. والتناقض
بداية هذا الفصل : وغني عن البيان : أنه إذا ظهرت التناقضات في النصوص التي تثبت حدثاًًً ما ، فإن الريب والشك في صحة تلك النصوص يصبح مبرراًً وطبيعياً ، بل إنه يفرض نفسه على الباحث ، ويضطره للسعي لتميز الصحيح من المكذوب من تلك النصوص ، هذا إن لم نقل : إن ذلك قد يثير في نفسه الشك في أصل صدور ذلك الحدث .. واللافت في قصة زواج أم كلثوم بعمر بن الخطاب ، وجود تناقض شديداًًً جداًً بين نصوصها كما سيظهره هذا العرض المقتضب الذي نورده في هذا الفصل ..
تناقض روايات أهل السنة : إننا لا نبالغ إذا قلنا : إنك تجد التدافع والتناقض ظاهراًًً وكبيراً ، ومستوعباً في روايات أهل السنة ونصوصهم التاريخية لهذا الحدث ، وقلما تجد ذلك في روايات الشيعة الإمامية رضوان الله تعالى عليهم ، وقد أشار الشيخ المفيد (رحمه الله) في المسائل السروية إلى هذا التناقض الشديد بين روايات أهل السنة حول تزويجها رحمها الله [17] فراجع.
1 - التناقضات حول الأم وولدها :
ونذكر من هذه التناقضات : أن الروايات تارة تقول : إن عمر أولدها ولداًً إسمه زيد [18].
وأخرى تقول : إنها ولدت له زيداًًً ورقية [19].
وفي نص آخر : فاطمة وزيداً. [20].
قال أبو عمر وغيره : ولدت أم كلثوم لعمر : زيداًًً الأكبر ورقية [21].
وقالوا تارة : إن زيداًًً هذا قد مات وهو صغير [22].
وقالوا تارة أخرى : إنه عاش حتى صار رجلاًًًً.
بل قالوا : إن زيداًًً هذا هو الذي لطم سمرة بن جندب عند معاوية حين تنقص علياًً [23].
وذكروا أيضاًًً : أن رقية قد تزوجت من إبراهيم بن نعيم النحام [24].
ونجد من جهة أخرى أن ثمة روايات تقول : إن عمر قد قتل قبل دخوله بها [25] ، فكيف تكون ولدت زيداًًً ، أو رقية أوفاطمة؟.
والزرقاني أيضاًًً لم يرتض ولادة زيد لعمر من أم كلثوم ، حيث قال : إن عمر قد مات عنها قبل بلوغها [26].
كما إن المسعودي لم يذكر زيداًًً في أولاد عمر.
ومن تناقضات روايات القسم الأول :
أنها تارة تقول : إن لزيد بن عمر عقباً.
وتارة تقول : إنه قتل ولا عقب له.
وتارة تدعي : أنه وأمه ماتا في آن واحد [27].
وتارة تذكر : أن أمه بقيت بعده.
وهل صلى على أم كلثوم وزيد ، عبد الله بن عمر ، حيث قدمه الحسن بن علي (ع) ، وعند إبن عساكر : الحسين بن علي (ع) [28]؟.
أم صلى عليهما سعيد بن العاص ، وخلفه الحسن والحسين (ع) ، وأبو هريرة [29] ؟!.
وذكروا في أولاد عمر بالإضافة إلى زيد الأكبر ، وهو إبن أم كلثوم : زيداًً الأصغر أيضاًً [30].
فما هو الصحيح من بين ذلك كله : يا ترى؟.
2 - التناقضات حول المهر.
وحول مهرها :
تارة تقول الروايات : إن عمر أمهرها عشرة الآف دينار [31].
وأخرى تدعي : أن المهر كان أربعين الف درهم [32].
وبعضها قالت : أربعين الفاًً بلا تعيين [33].
لكن بعضها نقل عن الدميري قوله : أعظم صداق بلغنا خبره صداق عمر ، لما تزوج زينب بنت علي فإنه أصدقها أربعين الف دينار [34].
ورابعة ذكرت : أنه أصدقها أربعة الآف درهم [35].
وخامسة : خمس مئة درهم ، كما ذكره المفيد (رحمه الله) تعالى [36].
وذكر نص آخر : أنه أمهرها مئة الف [37].
فأي ذلك هو الصحيح؟!
3 - أم كلثوم أم زينب :
وهل أم كلثوم هي غير زينب كما هو ظاهر كثيرين؟.
أم هي زينب نفسها ، كما ذكر عن غير واحد ، ومنهم الدميري كما قدمناه آنفاًً.
وهي التي توفيت ودفنت بغوطة دمشق كما ذكره النبهاني ، [38] وغيره.
وقد زار الشيخ إبراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان العاملي المتوفي سنة 1214 هـ.. مقام السيدة زينب بدمشق ، وكتب على الحائط :
مقام لعمر والله ضـم كــريمــة * زكا الفرع منه في البرية والأصل
لها المصطفى جد ، وحيدرة أب * وفـاطمة أم ، وفـاروقهم بعل [39]
4 - إكراه الإختيار :
ومن حيث الإكراه والإختيار تجد الروايات تختلف أيضاًًً ، فبعضها يقول : إنه زوجه إياها مختاراً مؤثراً لذلك كما سيأتي عن الجاحظ وغيره ، وبعضها ـ وهو الأكثر ـ يقول : إنه زوجه إياها مكرهاً ، وسنذكر بعض الشواهد على ذلك في يلي من مطالب..
5 - أزواج أم كلثوم بعد عمر :
وهل تزوجها بعد عمر عون بن جعفر ، فقط كما إقتصرت عليه بعض الروايات [40] ، ثم عبدالله بن جعفر كما في نسب قريش لمصعب.
وإدعى حسن قاسم وغيره : أن عبد الله بن جعفر قد طلق إختها زينب الكبرى ، ثم تزوج أم كلثوم بعد وفاة أخيه عون [41].
أم تزوجها بعد عمر محمد بن جعفر ، ثم عون ثم عبد الله [42].
أم تزوجها عمر ، ثم عون ، ثم محمد ، ثم عبدالله ، بعد موت إختها زينب بنت علي بن أبي طالب سلام الله عليهم فماتت عنده [43].
وهل ماتت عند عبد الله؟ أو إنه مات عندها؟! [44].
وعند إبن إسحاق : تزوجها بعد عمر عون بن جعفر فما نشب أن هلك ، فتزوجها محمد بن جعفر ، فمات ولم يصب منها [45] أي لم يصب منها ولداًً ، كما يبدو.
6 - هل ولدت لأبناء جعفر :
ومن هذه التناقضات أن الروايات تارة تقول : إنها ولدت لعمر ولبعض أبناء جعفر ذكوراً وإناثاً ، فولدت لمحمد بن جعفر جارية يقال لها : بثنة (نبتة) نعشت[46] من مكة إلى المدينة على سرير ، فلما قدمت المدينة توفيت [47].
وأخرى تقول : لم تلد لأحد شيئاًً ً[48].
إلى غير ذلك من موارد تظهر بالتتبع والمقارنة.
ومن الواضح : أن هذا التناقض يشير إلى وجود تعمد للكذب في خصوصيات الروايات ، أما من أجل دفع شبهة ، أو لأي غرض آخر..
وإن كان أصل الزواج لا يمكن تكذيبه إستناداًً إلى مجرد وجود هذه التناقضات .. حسبما المحنا إليه فيما تقدم.
الفصل الثالث
وقفات .. مع بعض الأقاويل السابقة
وقفات يسيرة :
إن التأمل في ما ذكرناه آنفاًً يثير إمام الباحث أكثر من سؤال حول كثير مما تضمنته تلك الروايات المختلفة.
وبما إن إستقصاء الحديث في ذلك ليس هو محط نظرنا في هذا البحث ، لأنه سوف يدخلنا في مجالات لا نرى ضرورة للدخول فيها ، فقد آثرنا على الإشارة إلى نقاط يسيرة ، لها مساس مباشر بما نحن بصدده ، فنقول :
زواجها بإبني عمها :
قد ذكرت بعض الروايات التي أشرنا إليها في الفصل السابق : أن عون بن جعفر قد تزوج أم كلثوم بعد موت عمر [49] ، ثم مات عنها ، فتزوجها أخوه محمد من بعده.
مع أن زواج أم كلثوم بعمر قد كان في سنة 17 للهجرة [50] ودخل بها في ذي القعدة كما يزعم الطبري وإبن الأثير ، وقد إستشهد عون بن جعفر وأخوه محمد سنة 17 للهجرة أيضاًً ً[51] ، وإنما توفي عمر في سنة 23.
فمتى تزوج بها عون ، ثم أخوه محمد ، ثم ولدت له بثنة ، ثم قتلاً في سنة 17 هـ ، مع أن زوجها الأول ، وهو عمر قد توفي بعد ست سنوات من هذا التاريخ؟!.
ومن جهة أخرى فقد زعم المسعودي : أن محمداًًً ـ زوجها الثالث ـ قد قتل بصفين حيث التقى وعبيد الله بن عمر بن الخطاب ، فقتل كل واحد منهما صاحبه ، وإلى هذا ذهب نساب آل أبي طالب ، وإن كانت ربيعة تنكر ذلك ، وتذكر : أن بكر بن وائل قتلت عبيد الله بن عمر [52].
وقال أحمد بن علي الداودي الحسني حول أولاد جعفر : أما محمد الأكبر ، فقتل مع عمه أمير المؤمنين علي (ع) بصفين ، وأما عون ومحمد الأصغر فقتلا مع إبن عمهما الحسين (ع) يوم الطف [53] ، فإذا كان محمد قد قتل ـ كما يقوله هؤلاء ـ في صفين ، وبقي عون إلى أن قتل مع الإمام الحسين (ع) فكيف تكون أم كلثوم قد تزوجت بمحمد بن جعفر بعد عون بن جعفر؟! ، والمفروض أن محمداًًً قد قتل قبله بأكثر من عشرين سنة.!!
ثم إنه إن كان محمد قد قتل في صفين ، فكيف يقولون : إنه قد بقي إلى أن قتل مع إبن عمه الحسين (ع) في كربلا؟.
لماذا هذا المهر ومن أين؟!
قد ذكرت الروايات : أن عمر قد أمهر أم كلثوم أربعين الف دينار ، أو درهم ، أو أربعين الفاًً من غير تحديد ، أو أربعة الآف درهم .. أو عشرة الآف دينار.
والسؤال هو : لماذا يعطي عمر لأم كلثوم هذا المهر الكثير؟!.. مع ما نعلمه من قلة الأموال آنئذ ، وأن الدراهم القليلة منها كانت تكفي للشيء الكثير..
وقد زعموا : أن عمر بن الخطاب قد إعتذر ، عن إعطاء هذا المهر الكبير (أربعين الف دينار) ، أو درهم ، بقوله : والله ، ما فيّ رغبة إلى النساء ، ولكني سمعت رسول الله (ص) : يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ، فأردت تأكيد النسب بيني وبينه (ع) ، فأردت أن أتزوج إبنته كما تزوج إبنتي ، وأعطيت هذا المال العريض إكراماً لمصاهرتي إياه (ع) [54].
ونقول : إن إعطاء هذا المهر الكثير ، حتى أربعة الآف درهم ، فضلاً عن الأربعين الفاً ، أو العشرة الآف دينار ، لا يتلاءم مع إعلان عمر عن إستيائه الشديد ، والإعلأن بالتهديد والوعيد لمن زاد في مهور النساء أكثر من أربعين (أوقية) [55].
ثم تهديده بأن يجعل الزائد ، عن ذلك في بيت المال .. حتى إعترضت عليه إحدى النساء بمخالفة موقفه هذا لنص الآية الشريفة : ( وأتيتم إحداهن قنطاراًً فلا تأخذوا منه شيئاًً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناًً ) ، وقد إعترف لها وهو على المنبر بأن كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال في خدورهن .. أو إمرأة أصابت ورجل أخطأ [56] ، أو نحو ذلك.
ويتأكد هذا الإستغراب إذا صح ما ذكره البعض من أنه قد كان بين زواج عمر بأم كلثوم ، وإعطائها هذا المهر الكبير ، وبين إعلانه الأنف الذكر ، يومان أو ثلاثة فقط [57].
وهذه الملاحظة وإن كانت لا ترقى إلى حد إسقاط أصل قضية الزواج ، ولكنها على أي حال تبقى مجالاً للحيرة في أهداف هذا التصرف ، وسبب هذا الإنتقال : من حالة الرفض الشديد لزيادة المهور إلى المبادرة إلى إعطاء أرقام خيالية ، لا تتناسب مع مداخيل عمر ـ الذي لم يكن يملك من الأموال شيئاًًً يذكر ، بل كان يرتزق من بيت المال .. وكان يعلن بالزهد والتقشف ، ويتظاهر بذلك بصورة لافتة ومستمرة..
وحتى لو أراد إكرام رسول الله (ص) بهذا المهر الكثير ، فإن السؤال يبقى يلح عليه بالإجابة :
من أين جاءته هذه الأموال يا ترى؟!!
ولماذا هذا السخاء النادر الذي لا يتناسب مع الواقع الإجتماعي والإقتصادي للناس .. ولعمر بصورة خاصة؟!
وإذا كان يمهر زوجته هذه المبالغ الهائلة : عشرة الآف دينار ، أو أربعين الفاً ، فكم يكون حجم ثروته ككل؟!
زواجها بعبد الله بن جعفر : قد تقدم أن بعض الروايات تقول : إن أم كلثوم قد تزوجت بعد عمر وبعد عون ومحمد بن جعفر بعبد الله بن جعفر أيضاًًً ، وماتت عنده ، وفي عدد من المصادر قال : إن ذلك كان بعد وفاة زينب العقيلة.
وذكرت الروايات أيضاًًً : أن علياًً (ع) هو الذي زوجها بعون ، وبمحمد ، وبعبد الله أيضاًًً.
ونقول :
أولاًًًً : إن زينب قد حضرت كربلاء ، وتوفيت كما يقال : في الخامس عشر من شهر رجب سنة 62 هـ. [58] أو سنة 65 للهجرة فراجع [59] أو في سنة أربع وسبعين وعمرها 67 سنة [60].
مع أن أم كلثوم قد حضرت كربلاء ، وتوفيت في الشام ، أو في المدينة [61] ، بعد رجوعها من العراق بأربعة أشهر ، وخطبتها في الكوفة وهي بعد في السبي ، معروفة ومشهورة [62].
ونقل عن العدوي أنه يقول : إن التي تزوجها عمر هي زينب الوسطى المدفونة بالشام ، لكنه نقل غير دقيق [63].
ثانياًً : لو لم نأخذ بما دل على حضورها في كربلاء ، فإن هذه الرواية لا يمكن أن تصح أيضاًًً ، إذ قد تقدم : أن ثمة روايات تقول : إن إبن عمر قد صلى عليها ومعه الحسن والحسين (ع) وأبو هريرة وغيرهم.
وقد ذكروا : أن وفاتها كانت قبل السنة الرابعة والخمسين من الهجرة [64].
فكيف تتزوج بعبد الله بن جعفر بعد وفاة إختها زينب التي حضرت كربلاء؟ وتوفيت بعد إستشهاد الإمام الحسن (ع) بأكثر من إثنتي عشرة سنة؟!
ثالثاًً : إن علياً أمير المؤمنين (ع) ، قد إستشهد سنة أربعين للهجرة ، فكيف يكون قد زوجها بعبد الله بن جعفر بعد وفاة إختها زينب التي حضرت كربلاء ، وتوفيت بعدها؟! ، وكربلاء إنما كانت سنة ستين للهجرة كما هو معلوم [65].
وأما دعوى حسن قاسم بأن عبد الله بن جعفر قد طلق زينب العقيلة ، ثم تزوج بأم كلثوم ، فهي غريبة ، فإننا لم نجد شاهداًً لها من حديث أو تاريخ ، ويكذبها قولهم إنها جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام حيث توفيت هناك ، ولعل سبب هذه الدعوى الحدس والإحتمال الناشئ عن الرغبة في حل التناقضات بين النصوص.
صلاة إبن عمر أو سعيد بن العاص :
وبذلك يتضح عدم صحة ما جاء في الروايات حول صلاة إبن عمر عليها وعلي ولدها..
كما لا يصح زعمهم : أن سعيد بن العاص الذي كان والياً علي المدينة من قبل معاوية قد صلى عليها.
إذ لاشك في حضورها في كربلاء كما قلنا .. وذلك يتناقض مع هذا الزعم وذاك على حد سواء.
الفصل الرابع
إستدلالات غير مقنعة
هذا الزواج لم يكن معروفاًًً :
وقد ذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني في حوادث سنة ست وخمسين وثلاث مئة ، أن معز الدولة عمران بن شاهين سأل أبا عبد الله البصري ، عن عمر بن الخطاب وعن الصحابة ، فذكر أبو عبد الله سابقتهم ، وأن علياًً (ع) زوج عمر إبنته أم كلثوم (ر) ، فاستعظم ذلك ، وقال : ما سمعت هذا قط [66].
فإن عدم سماعه بهذا الأمر لهو من الأمور التي تثير العجب والحيرة حقاًً ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن معرفة الناس بأن هذا الزواج قد تم على سبيل الإكراه والإجبار ، قد أسقط من أيدي إتباع الخلفاء حجة كان يسعدهم الاحتفاظ بها ، فلم يعد يهمهم تناقل هذا الأمر في محافلهم ، أو إثباته في مجاميعهم الحديثية والتاريخية وغيرها.
كما إن محبي علي (ع) لم يجدوا في تداول هذا الأمر ، وإشاعته بين الناس فائدة أو عائدة ، فكان الإهمال من الفريقين نصيب هذه القضية إلى هذا الحد المثير..
السيد المقرم ينكر هذا الزواج :
وإذا أردنا أن ننظر في آراء العلماء في هذا الزواج ، فإننا نجدهم بين مؤيد ومفند.
فالبعض كالسيد عبد الرزاق المقرم قد أنكر هذا الزواج على أساس أنه لم يكن لأمير المؤمنين (ع) بنات سوى الحوراء زينب ، ولا يمكن إثبات غيرها تاريخياًً ، [67] خصوصاًً إذا علمنا : أنهم يطلقون على زينب العقيلة أنها أم كلثوم أيضاًًً [68].
غير أننا نقول :
إن قوله هذا لا يمكن قبوله ، فإن النصوص الصحيحة الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) إلى جانبها غيرها ، وهو كثير جداًً تؤكد وجود أم كلثوم هذه ، ولا نرى ضرورة لإيراد الشواهد على ذلك.
ومجرد إطلاق كنية أم كلثوم على زينب لا يكفي شاهداًً على ذلك ، فإن من الممكن أن تكنى زينب بأم كلثوم ، مع وجود بنت أخرى بهذا الإسم أيضاًًً..
كما إن تعدد المسمين بإسم واحد ، في أبناء الشخص الواحد كثير.
رأي المفيد (رحمه الله) :
أما الشيخ المفيد فإنه إعتبر الخبر الوارد حول زواج أم كلثوم بعمر ضعيفاًًًً.
أولاًًًً : لأنه مروي عن الزبير بن بكار ، وهو قد كان متهماًً ، خصوصاًً فيما ينقله عن علي (ع) وبني هاشم.
ثانياًً : لأجل تناقض رواياته واختلافها ، كما سيأتي.
ونقول :
1 ـ إن ضعف الزبير بن بكار في ما ينقله لا يعني كذب كل رواية يرويها..
2 ـ إن الرواية مروية ، عن غير الزبير بن بكار عند العامة .. ثم هي مروية بطرق صحيحة ومعتبرة عند الخاصة أيضاًًً كما سيأتي.
3 ـ إن الإختلاف والتناقض لا يدل على بطلان جميع الروايات ، بل يدل على بطلان الروايات ، ما عدا رواية واحدة ، حيث تبقى مشكوكة ، وإن لم تكن متعينة ومحددة لنا ، فيحتاج إثبات بطلان الجميع إلى دليل آخر..
أدلة الهندي مجرد إستبعادات :
كما إن البعض الآخر كصاحب كتاب إفحام الأعداء والخصوم قد أورد في الجزء الأول المطبوع من كتابه هذا ، إستبعادات غاية ما تفيده هو عدم إقدام علي (ع) على تزويج إبنته من عمر برضى منه وإختيار .. ولكنها لا تنفي حدوث الإجبار والإكراه على هذا الزواج.
ولولا خوف الإطالة لأوردنا كلامه بكامله ، وأرشدنا بالتفصيل إلى تصديق هذا الذي قلناه ، ولكنا نكتفي بهذه الإشارة ، ونحيل القارئ الكريم على الكتاب ليراجعه بنفسه إن شاء ، فنقول :
أدلة السيد الهندي :
إن ما إستدل به السيد ناصر حسين الموسوي الهندي يتلخص في ضمن النقاط التالية :
1 ـ إن الرسول قد رد أبابكر وعمر حينما خطبا فاطمة ، فعلي (ع) ، لابد أن يقتدي بالرسول (ص) ، ولا يزوج أياً منهما إبنته.
2 ـ إن عمر ليس كفؤاً لأم كلثوم ، والكفاءة شرط في النكاح.
3 ـ إن نسب عمر يمنع من إقدام علي (ع) على تزويجه إبنته.
4 ـ إن الفارق في السن كان كبيراًً بين عمر وبين أم كلثوم ، وقد نهى عمر ، عن نكاح الرجل إلاّ ما يوافقه ، وشبيهه ونظيره ، ولو كان هو قد خالف هذا الأمر ، لكان مصداقاًً لقوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم.
5 ـ إن هذا الزواج يستلزم الجمع بين بنت ولي الله تعالى ، وبنات أعداء الله ، وقد روى أهل السنة : أنه لا يجوز هذا الجمع.
6 ـ قد كان عمر معادياً للسيدة الزهراء (ع) ، وقد ظهر منه تجاهها ما هو معلوم فكيف يرضى علي (ع) بتزويجه بإبنتها؟ [69].
ونقول :
قد أشرنا إلى أن جميع هذه الوجوه إنما تدل على أن علياًً (ع) لا يقدم على تزويجه مختاراً مؤثراً لذلك ، وتدل على أن حدوث هذا الزواج معناه أن يقدم عمر على مخالفة أوامر الله تعالى :
ولا تدل على عدم وقوع هذا التزويج بالجبر والإكراه ، وتعمد إرتكاب المعصية في هذا السبيل ـ كما دلت روايات التزويج ـ وذلك ظاهر..
لو كان في عمر حركة للنساء :
وقد حاول بعضهم أن يستدل على نفي هذا الزواج بأنهم يروون : أن عمر قد قال : لولده في أمر جارية أعجبته : لو كان في أبيكم حركة إلى النساء لم يسبقه أحد إليها..
.. غير أننا نقول : إن العجز عن النساء لا يعدو كونه أمراًً طارئاً على هذا الرجل ، إذ أنه كان قبل ذلك قد تعرض للنساء ، وولد له منهن أولاد كثيرون .. ولذلك يرد سؤال :
متى حصل هذا العجز؟!.
هل حصل ، قبل الزواج بأم كلثوم؟! أو بعد الزواج بها؟
وهل هو عجز مستمر؟ أو إنه كان عجزاً طارئاً في تلك الساعات لمرض أو لغيره؟! فإن ذلك لا تظهره تلك الرواية المشار إليها..
فإذا صحت روايات الزواج كانت دليلاًً على أن هذا النص يتحدث عن وقت متأخر عنه ولو بساعة على الأقل..
لا تاريخ لزيد بن عمر :
وقد حاول بعضهم أن يستدل على عدم صحة روايات التزويج ، أو خصوص تلك الروايات التي تتحدث ، عن زيد بن عمر بأنه لم يجد لزيد بن عمر أي ذكر في التاريخ ، مع أن الأجواء تقتضي أن يكون موضع إهتمام الرواة والساسة وغيرهم ، لأنه ثـمـرة زواج فـريـد ، فإن أباه كان أشد الناس على فاطمة ، وعلي (ع).
وأم كلثوم هي بنت علي (ع) من جهة ، وبنت فاطمة (ع) من جهة ثانية ، فعدم وجود تاريخ له دليل على أنه شخصية وهمية.
ونقول :
1 ـ ليس بالضرورة أن يكون لكل إنسان دور مميز ولافت ، فإن الدور تابع لطبيعة ميزات ومواصفات الشخص ، وحالاته ، وإهتماماته.
2 ـ إن هذا الكلام ـ لو صح ـ فإنما يأتي في خصوص الروايات التي أثبتت وجود زيد ، وأنه قد عاش حتى صار رجلاًًًً ، وتبقى سائر الروايات التي تجاهلت هذا الأمر ، أو صرحت بأنه تزوجها ولم يدخل بها ، ومات عنها قبل بلوغها.. بحاجة إلى جواب.
3 ـ إن إنكار وجود تاريخ لزيد ليس دقيقاً ، إذ أن في التاريخ بعض الأمور التي تشير إلى نشاط له من نوع ما ، ويظهر ذلك بالمراجعة..
4 ـ وحتى لو لم يذكر التاريخ لنا عن زيد بن عمر شيئاًًً ذا بال ، فذلك لا يعني أنه شخصية هامشية أو وهمية ، فهناك كثيرون لم يستطع التاريخ أن يحدث عنهم بشيء.. وهم شخصيات حقيقية ، لا وهمية.
فإن تجاهل التاريخ لبعض الشخصيات له أسبابه السياسية والمذهبية ، وغيرها.
حديث الزواج بجنية :
ثم إن ثمة رواية تقول : إن هناك جنية يهودية من أهل نجران قد تشبهت له بصورة أم كلثوم ، وذلك بأمر من أمير المؤمنين (ع) [70].
وضعف سند هذه الرواية لا يوجب الحكم القاطع ببطلانها.. فإن من الممكن عقلاًً حدوث أمور من هذا القبيل.
بل لقد وقعت بعض الأمور التي تثبت تعاطي الأنبياء وغير الأنبياء مع الجن فعلاًً في العديد من الموارد ، كما دلت عليه الروايات الكثيرة [71].
إشكالات غير صالحة :
وقد يقال : إن الأخبار التي تحدثت ، عن أن علياًً (ع) قد زوج إبنته لعمر ، وقولهم (ع) : ذلك فرج غصبناه ينافي خبر تشبه الجنية لعمر بأم كلثوم..
ويجاب ، عن ذلك ، بأن هذه المنافاة غير ظاهرة ، لأنهم (ع) كانوا يحترزون ، عن إظهار مثل هذه الأمور حتى لأكثر الشيعة لئلا يقعوا في الغلو ، أو حتى لا يدخل عليهم الشك والشبهة.
وأما الشك في هذا الأمر بسبب إستبعاد وقوع شبه أم كلثوم على الجنية ، فهو في غير محله ، فإن وقوع شبه هذا على ذاك ، قد وقع نظيره أيضاًًً ، فقد وقع شبه عيسى بن مريم على نبينا وآله و(ع) ، على يهوذا.. فصلب وقتل..
ويتأكد ذلك إذا كان الإمام (ع) هو الذي يطلب ذلك..
وقد كان للإمام علي (ع) سلطة على الجن ، كما صرحت به الروايات ، كما كان لسليمان (ع) سلطة عليهم أيضاًًً..
ثم إن ثمة إشكالات أخرى أوردوها على هذه الرواية وهي لا تصلح للإشكال كما لا يخفى على من دقق النظر ، بل إنها لا تصلح حتى لإستبعاد صحة الرواية فضلاًً ، عن أن توجب ردها ، أو إسقاطها ، وذلك كقولهم :
إن الجنية لم تكن بارعة في عملها حتى إستراب بها عمر.
وكقولهم : إن رواية الجنية تعارض رواية إبن أعثم التي تقول : إن أم كلثوم إشتكت من حرمانها ميراث أمها فاطمة وميراث زوجها عمر...
وكقولهم : إن الجنية حجبت أم كلثوم ، عن الأبصار ، وأن أمير المؤمنين هو الذي أظهرها بعد مقتل عمر..
وقولهم : إن عمر : إنما هدد العباس بإنتزاع السقاية ، ولم يهدد علياًً.
وقولهم : إن صدر الرواية المصرح بأن علياًً يستطيع أن ينقذ إبنته ، يتناقض مع ذيلها الذي يقول : إنه إستعان بالجنية.
ثم قولهم أيضاًًً : إن هذه الرواية.. أشبه بالخيالات.
فإن جميع هذه الإشكالات لا تصلح لرد الرواية ، وإعتبارها خرافة :
إذ لا مانع من أن تحجب الجنية إنساناًًً ، عن الأبصار ، ثم يأتي أمير المؤمنين ý ويرفع هذا الحجاب.
كما إن تهديد عمر للعباس يثقل على علي (ع) ، ويضطره إلى أمر لا يفعله لولا حدوث هذا الأمر المزعج له.
على أن التهديد قد تجاوز عقيلاً إلى علي نفسه ، كما أثبتته روايات أخرى ، يمكن ضمها أيضاًًً إلى هذه الرواية ، لعدم المانع من ذلك.
وبالنسبة للتصريح بأن علياًً يستطيع أن ينقذ إبنته نقول : إن ذلك لا يمنع من إختياره لهذه الطريقة لينقذها بها.
كما إن تعارض هذه الرواية مع رواية أخرى لا يجعلها في عداد الخرافة والخيال..
فلم يبق مما يصلح للإشكال به على هذه الرواية سوى : أنها رواية ضعيفة السند ، لا يمكن تأكيد صحتها.
تأويلات غير ظاهرة :
وقد نجد محاولات للتخلص من دلالة بعض الروايات ، وتأكيد الإلتزام بعدم وقوع هذا الزواج ، في اللجوء إلى تأويلات بعيدة لا مجال لقبولها ،
فأولاً : قد زعم بعضهم أن حديث (ذلك فرج غصبناه) لا يدل على حصول الزواج بالفعل ، إذ لعله وأرد على سبيل التقدير والفرض ، أو على سبيل المجاراة لمن يدّعي ذلك [72] ، أي إن كان الأمر كما تقولون ، فهو إنما كان على سبيل القهر والإكراه والغصب.
لكننا نقول :
إن ذلك خلاف الظاهر ، ولا دليل عليه ، فلا مجال للإلتزام به إلاّ إذا ثبت بدليل آخر ما ينافي ويدفع ويبطل حديث ذلك فرج غصبناه ، فلابد في هذه الحالة من التماس التأويل له ، أو طرحه ، ورد علمه إلى أهله.
ثانياًً : قد إدعى بعضهم : أن هذه الروايات - روايات الشيعة - حول أن علياًً جاء بأم كلثوم بعد موت عمر لتمضي أيام عدتها في بيته ـ هي الأخرى ـ لا تدل علي وقوع الزواج ، إذ أن المراد إثبات الحكم على سبيل الإلزام للطرف الآخر بما يلزم به نفسه ، حيث يوجبون أن تعتد المرأة المتوفى عنها زوجها في نفس بيت الزوجية [73] ، فرد عليهم الإمام بأنهم هم يروون : أن علياًً حين توفي عمر أخذ بيد إبنته أم كلثوم ، وذهب بها إلى بيته..
ونقول :
1 ـ لم يظهر من الرواية أن الذي سأل الإمام (ع) كان ناظراًً إلى إبطال قول هذا المخالف أو ذاك ، بل هو يتحدث عن حكم الواقعة في نفسها بغض النظر عن أي شيء آخر.
2 ـ ليس في كلام الإمام (ع) ما يشير إلى أنه في مقام الرد على أحد ، بل هو قد أورد الكلام على سبيل الأخبار عن واقعة حصلت ، يريد (ع) أن يعلم القارئ بها ، فلا معنى للتحدث عن أمور ليس في النص ما يدل عليها ، أو يشير إلى ما يبررها..
الفصل الخامس
مؤآخذات قوية
روايات لئيمة وحاقدة :
وبعد ، فإنه لا مجال لقبول الروايات الواردة في كتب أهل السنة ، التي تتحدث ، عن أن علياًً (ع) قد أمر بابنته فزينت (أو فصنعت) ثم أرسلها إلى عمر ليتفحصها ، وقد أمسك هذا الثاني بذراعها ، أو بساقها ..[74] أو إنه قد قبّلها ، أو ضمها إليه ، أو نحو ذلك.
وفي بعض رواياتهم أنها جبهته بقسوة من أجل ذلك ، وقالت له :
تفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك.
ثم خرجت حتى أتت أباها فأخبرته الخبر ، وقالت :
بعثتني إلى شيخ سوء.
فقال : يا بنية إنه زوجك ، ثم زوجه إياها. [75].
فإنها روايات مكذوبة بلا ريب ، وقد قال : عنها سبط إبن الجوزي : قلت : هذا قبيح. والله ، لو كانت أمة لما فعل بها هذا ، ثم بإجماع المسلمين ، لا يجوز لمس الأجنبية ، فكيف ينسب إلى عمر هذا [76].
نعم .. إن الناس يأنفون ، عن نسبة مثل هذا السقوط إليهم ، فكيف نسبوا ذلك إلى خليفتهم ، الذي يدعون له العدالة والإستقامة ، والقيام بمهام النبي الأكرم (ص)؟!.
ويكفي قبحاً في ذلك أن نجد واضع الرواية قد ذكر أن تلك البنت الصغيرة السن قد رفضت تصرفه هذا ، وأنكرته ، وهددته بكسر أنفه ، وإعتبرته شيخ سوء.
ولعل هناك من لا يرى مانعاً من صدور هذا الأمر من عمر ، إستناداًً إلى ما ورد في بعض النصوص من : أنه قد فعل ذلك إمام الناس ، ثم قال لهم : إني خطبتها من أبيها ، فزوجنيها.
أو إستناداً إلى أن عمر لم يكن ممن يسعى إلى كبح جماح شهوته ، وهو القائل : ما بقي في شيء من أمر الجاهلية إلا أني لست أبالي أي الناس نكحت وأيهم أنكحت [77].
وإلى أنه قد حدثنا هو نفسه أنه كان إذا أراد الحاجة تقول له زوجته ، ما تذهب إلاّ إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن [78].
وله قصة معروفة مع عاتكة بنت زيد التي كانت تحت عبد الله بن أبي بكر ، فمات عنها ، وإشترط عليها أن لا تتزوج بعده فتبتلت ، ورفضت الزواج حتى من عمر فطلب عمر من وليها أن يزوجه إياها ، فزوجه إياها ، فدخل عمر عليها فعاركها حتى غلبها على نفسها فنكحها ، فلما فرغ قال : أف. أف. أف.
ثم خرج من عندها وتركها الخ [79].
فإننا بدورنا نقول : إن ذلك لا يصلح لتبرير إرسال أبيها إياها إليه على هذا النحو.. فإن المفروض هو إن لا يرسلها إلاّ مع نساء يصلحن من شأنها ، ويرافقنها إلى بيت الزوجية بإعزاز وإكرام حيث الخدر والستر..
ولا نتعقل أي معنى لأن يرسلها أبوها إلى عمر على هذا النحو البعيد عن معنى الكرامة والتكريم لها ، والذي لا يفعله رعاع الناس ، فكيف يتوهم صدوره ، عن بيت الإمامة والكرامة ، والعز والشرف ، وعن أهل بيت النبوة بالذات؟!
وكيف يزوجها بمن يعصي الله فيها على هذا النحو المرفوض في الشرع ، والذي يأباه كرام الناس ، وأهل الشرف والغيرة؟.
رواية مكذوبة :
وهناك رواية أوردها الدولابي ، وإبن الأثير ، وغيرهما تقول :
لما تأيمت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب (ع) من عمر بن الخطاب دخل عليها الحسن والحسين أخواها ، فقالا لها : إنك من عرفت ، سيدة نساء العالمين ، وبنت سيدتهن ، وإنك والله لئن أمكنت علياًً من رقبتك (رمّتك) لينكحنك بعض أيتامه ، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاًً عظيماًً لتصيبنه.
فوالله ما قاما حتى طلع علي يتكئ على عصاه.. (ثم تذكر الرواية كلاماً له معهم) ثم تقول :
فقال : أي بنية ، إن الله : قد جعل أمرك بيدك ، فأنا أحب أن تجعليه بيدي.
فقالت : أي أبه ، والله إني لإمرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء ، فأنا أحب أن أصيب ما يصيب النساء من الدنيا ، وأنا أريد أن إنظر في أمر نفسي.
فقال : لا والله : يا بنية ، ما هذا من رأيك ما هو إلاّ رأي هذين.
ثم قام ، فقال : والله لا أكلم رجلاًًًً منهم أو تفعلين.
فأخذا بثيابه فقالا : إجلس يا أبه ، فوالله ما على هجرانك من صبر ، إجعلي أمرك بيده.
فقالت : قد فعلت..
فقال : فإني قد زوجتك من عون بن جعفر.
وإنه لغلام. ثم رجع إليها فبعث إليها بأربعة الآف درهم ، وبعث إلى إبن أخيه فأدخلها عليه ([80]).
قال إبن إسحاق فما نشب عون أن هلك ، فرجع إليها علي ، فقال : يا بنية ، إجعلي أمرك بيدي ، ففعلت فزوجها محمد بن جعفر ([81]) .. ثم يذكر الطبري : أنه زوجها بعبد الله بن جعفر أيضاًًً ([82]).
ونقول :
يرد على هذه الرواية ما يلي :
أولاًًًً : إن سيدة نساء المسلمين في وقتها هي إختها الحوراء زينب (ع) ، لا أم كلثوم.
ثانياًً : هل سبق أن أنكح علي (ع) بناته أيتام أهله ، سوى أنه أنكح زينباً عبدالله بن جعفر ، وهو رجل له مكانته ، وموقعه ، وليس بالذي يعير به أحد ، فإنه من سراة القوم..
ثالثاًً : هل كان الحسنان (ع) وأم كلثوم يحبون المال العظيم ، والحياة الدنيا..
ولماذا لا يأخذان بقول رسول الله (ص) : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير؟ [83].
رابعاًًً : إن جرأة أم كلثوم على أبيها ، وإظهار أنها ترغب فيما ترغب فيه النساء لهو أمر يثير الدهشة ، ولاسيما من إمرأة تربت في حجر علي وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهما ، وعرفت معاني العفة ، والزهد والتقوى..
ولم يعرف عنها طيلة حياتها إلاّ ما ينسجم مع هذه الروح ، ولا يشذ عن هذا السبيل..
خامساًً : لماذا يهجر ولديه ويقطع صلته بهما من أجل الحصول على هذا الأمر الذي جعله الله سبحانه لها دونه بإعترافه (ع) ـ حسب زعم الرواية؟!
سادساًً : ما معنى التعبير عن عون بن جعفر بالقول : وإنه لغلام مع أنه كان شاباًً يشارك في الحروب ، ويقاتل ويستشهد ، كما ذكرناه فيما تقدم.
سابعاً : قد تقدم أن زواجها من عون وإخوته موضع شك أيضاًًً ، فإن عوناًً ومحمداًً إذا كانا قد قتلاً سنة 17 هجرية أي في نفس السنة التي تزوجت فيها عمر ، فكيف نوفق بين ذلك وبين حقيقة أن عمر : إنما مات سنة 23 هجرية؟! وإذا كان عون وأخوه قد ماتا في الطف ، فكيف تزوجها أخوه محمد من بعده ، ثم تزوجها عبدالله؟.
وإذا كان المتولي لتزويجها للجميع هوأبوها كما يقول البعض ـ حسبما قدمناه ـ فإن أباها كان قد إستشهد قبل وقعة الطف بعشرين سنة.
عمر يقول : رفئوني :
وتذكر روايات أهل السنة لقصة هذا الزواج : أن عمر قد خطب إلى علي (ع) إبنته أم كلثوم ، فقال علي : إنما حبست بناتي على بني جعفر ، فأصر عليه عمر ، فزوجه.
فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين فيما بين القبر والمنبر ، فقال : رفئوني. رفئوني. فرفأوه. [84].
والمراد : قولوا لي : بالرفاه والبنين..
ونقول :
إن من الواضح : أن قولهم للمتزوج بالرفاه والبنين ، هو من رسوم الجاهلية ، وقد نهى عنه رسول الله (ص) .. وقد ورد هذا النهي في كتب الشيعة والسنة على حد سواء..
1 ـ فقد روى الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، ع