بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
ملحمة العملاء في العراق المحتل هي تجديد طبق الأصل لملحمة كلكامش البابلية الشهيرة. إذا تصورنا كلكامش هو الشعب العراقي والافعى حكومته العميلة. حيث يشقى كلكامش ويصادف الأهوال والمصاعب ويطوع قوى الطبيعة الخارقة لتحقيق هدفه، يستسهل المتاعب ويغوص في الأوحال والبحار حتى يحصل على مراده(زهرة أكسير الحياة) فيسترخي على الشاطيء بعد رحلة المعاناة ملتقطا أنفاسه المتقطعة. وإذا بالأفعى تغافله وتختلس منه ثمرة جهده وبلمح البصر تبلعها. أضاع كلكامش جهده وسعيه وأمله ونثره هباءا. وفازت الأفعى بتجديد شبابها, وهذه أفعى العراق الجديد قد تجدد جلدها لولاية ثانية بعد أن إبتلعت ثمرة الشعب وأمله.
في ظل التوتر غير المفاجيء الذي يسود العراق المحتل حاليا، والذي توقعه الكثير بسبب أزمة التداول السلمي للسلطة. في ظل مناخ ملبد ديمقراطيا تشوبه رياح سموم صفراء تهب من دول الجوار العربية وإعصار إيراني مدمر أقتلع كل المزاعم الحكومية التي كان يستغفلوا بها الشعب العراقي ويضحكوا عليه طيلة أربع سنوات خلت من عدم تدخل عمائم الشر في الشأن العراقي الداخلي. فقد نزع حكام العراق أقنعتهم التنكرية وبانت وجوههم العميلة الحاقدة على حقيقتها. ركنوا الأخلاق والضمير والمسؤولية الوطنية جانبا تاركين شعبهم المبتلى يتلظى بسعير الإرهاب، ولووا شطرهم إلى كعبتهم في قم ليستنيروا بنار زرادشت ووصايا الولي الفقيه لحكم العراق للسنوات الأربع القادمة.
الحاضر لا ينبأ بخير أو إستقرار سياسي أو أمني أو إقتصادي، والمستقبل أشد عتمة من الحاضر فكل الدلائل تؤشر بأن بوصلة العراق ستعطي إتجاهات خاطئة أي من سيء إلى أسوأ! سواء جرى ذلك بولاية أياد علاوي أو نوري المالكي القادمة فالأمر سيان! وسيان في اللهجة العامية العراقية تعني المياه الثقيلة التي تزكم جيفتها وعفونتها الإنوف. فحرب الكراسي ماتزال مستعرة. ويبدو إن الولي الفقيه في إيران لم يحزم أمره بعد بشأن تشكيلة الحكومة القادمة. رغم أن جميع خيوط اللعبة بيديه وهو يحرك دمى العراق كيفما شاء بعد أن سلمها له الشيطان الأكبر بسلاسة ديمقراطية وشفافية جعفرية( نسبة إلى الولي إبراهيم الجعفري).
الولي الفقيه يتطلع مبتسما ومستمتعا برؤية عورات الفرقاء السياسيين في مسابقة التعري التي تنظمها حكومة نجادي والتي حضرها أصحاب الدعارة من العراقيين ليثيروا لعاب أصحاب العمائم بعرض مفاتنهم المثيرة، ورغم تأخر علاوي عن فقرته لإستبعاده من الجهة المنظمة! لكنه حضر في النهاية وأضيفت نقطة لصالحه نظير خجله ودلعه ودلاله المغري. فهذا جزء مهم في علم الإثارة وفن الإغراء والتشويق. من المؤسف جدا أن الدعوة أقتصرت على المتفرجين الإيرانيين حيث يجري العرض على أرضهم المقدسة. أما العراقيين فرغم إن جنسيتهم هي نفس جنسية العارضين لكن لم تقدم لهم دعوة شرف للحضور على أعتبار أنهم أول من شاهد وتحسس عورات العارضين فلا جدوى من حضورهم.
من الصعب التوصل إلى فهم عميق للمحيط الاجتماعي للشعب العراقي دون فهم وتحليل خصائصه فهو شعب ينفرد بمزايا غريبة ومتناقضة. إنه مفرط في حبه وبنفس القدر في كراهيته! يغضب أحيانا كبركان ثائر ولا يبالي أحيانا مثل بركان خامد! حتى وصفه إبن مسعود" يثور على الحق ويثور على الباطل". يسكت وقت الكلام، ويتكلم وقت السكوت! يشكو من الظلم ومتى سمحت له الظروف يكون من اشد الظالمين! يسامح وقتما لا يجوز التسامح ويعفو وقتما لا يجوز العفو! يشكو قسوة الحجاج وفي قرارة نفسه لا يليق به غير الحجاج حاكما! يرفض الذل بقوة ويتوسده على فراش واحد بنفس القوة! يعظم الصغائر ويصغر العظائم ويستهين بالكبائر! يدعي الذكاء وهو من أكبر المستغفلين! شعب يقامر على حاضره ومسقبله ومستقبل أجياله وهو يدرك جدا بأنه يراهن على الحصان الخاسر.
في مقال نشرناه قبل شهرين ذكرنا جملة نرى من الضرورة العودة لها وهي"...ومهما كان حجم الأختلافات الظاهرة في السطح بين المجلس وحزب الدعوة لكنهما ينبعان من صدر واحد ويصبان في مصب واحد وهو إيران. وسيدخلان في إئتلاف بعد ظهور نتائج الإنتخابات حتما وهذا ما سيكشف عنه المستقبل القريب" فقد أثبت التطورات صحة توقعنا وليس ذلك ذكاءا أو عبقرية منا لأستكشاف المجهول معاذ الله فنحن أدرى بضعفنا, ولكن من يدرس تأريخ ملالي إيران يسهل عليه التكهن بمخططاتهم الرامية للسيطرة على مقدرات العراق وتدميرها. ومن المؤسف ان الوتر الطائفي الذي يعزف عليه الملالي يلاقي طربا وإرتياحا لدى مسامع فئات عظمى من الشعب العراقي ويتناغم مع خلفيتهم الطائفية. وهذا من أهم عوامل نجاح المخطط الإيراني وتفوقه على المخطط الأمريكي. ولم يتوقف مسلسل التآمر على العرب والعروبة منذ الفتح الإسلامي لإيران ولحد الآن. فهي تخطط وتنفذ للثأر من ذلك الفتح الذي أطفأ نارها المجوسية لكنه فشل في إطفاء جذوتها المسعترة تحت الرماد فكلما هبت ريح صفراء أشعلتها مرة اخرى. وحصة العراق هي الأكبر من هذه المؤامرات والكراهية بحكم القاعدة الصفوية الاقربون أولى بالمنكر بدلا من المعروف.
لقد أدارت حكومة الملالي اللعبة الإنتخابية بحذاقة ودهاء كبيرين حيث عمدت إلى إمتصاص نقمة بعض الشيعة من الإرتماء الذليل للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في أحضان الولي الفقيه. وصبغت المالكي بصبغة جديدة إنطلت على الكثيرين كسياسي له مواقف مستقلة بعيدة نوعا ما عن الولاءات الإيرانية ولا يدين لجهة محددة. وأنه أبعد من الصدريين والحكيميين عن النوازع الطائفية إضافة إلى تمكنه من إستقطاب بعض الوجوه الكريهة المحسوبة على السنة بلا وجه حق. بالتالي أخذت الأصوات التي تسقط من سلال المجلس الأعلى وبقية الأحزاب الشيعية لهذه الاسباب تتجمع في سلة المالكي. فلم تنفرط الأصوات الشيعية كما يتصور البعض! سيما إن المرجعية الراشدة لعبت دورا مهما في دعم التوجه الإيراني من خلال تعطيل الدراسة ودفع طلبتها للتحرك على العشائر والمناطق النائية لدعم قوائم آل البيت وضمان عدم تشتت أصواتهم.
أضلاع المثلث الشيعي الرئيسية في العراق إيرانية وهي بنفس الإستقامة والتوازي إذا تجاوزنا بخفة خطوط التمويه التي رسمها ملالي الشر في إيران لأستغفال الطائفة, فالتيار الصدري بيد الولي الفقيه وأبنه البار مقتدى الصدر يتلقى تعاليمه العسكرية والإستخبارية على يد جهاز المخابرات الإيراني بغطاء ديني ودعوى التدرج المرتبي لآية عظمى أو سفلى. وجيشه المعتوه يدرب ويمول ويسلح من إيران وينفذ أجندة إيرانية بحتة شأنه شأن حزب الله في لبنان وغير ذلك ثرثرة لا جدوى منها.
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية علامة مميزة( ساخت إيران) ولد في رحم إيراني وليس عراقي وتغذى كراهية وحقد على العراق وشعبه ولا يحتاج إلى براهين لأثبات مواقفه فالتجربة أكبر برهان كما قيل! فما على الساحة العراقية من مشاهد دموية كان أبرز نجومها فيلق بدر الذراع العسكري للمجلس. وفقد المجلس ومايزال يفقد بريقه يوما بعد آخر, والزيارات الجديدة التي يقوم بها عمار الحكيم للدول العربية هي محاولة يائسة لترميم الشرخ الكبير في جدران المجلس لأن توقيتها مضى ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
المالكي رجل طائفي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني مقززة رغم إن البعض يحاول بسذاجة ان يخرجه من حلقة الطائفية بدعوى محاربته الصدريين. متجاهلا ان ذلك الصراع كان سياسيا وليس مذهبيا. وهذا ما يقال ايضا على الصراع بين المجلس الأعلى والصدريين، وبين حزب الدعوة والمجلس الأعلى. والأخير مع حزب الفضيلة وهلم جرا. حاول المالكي أن ينزع عنه الجلباب الطائفي في بعض المواقف الكلامية والخطب الإيقاعية وليست الفعلية وقد إنطلت الحيلة على البعض. فهولها وبوق لها. فالرجل أمره بيد الولي الفقيه والصورة الذليلة التي أخذت له بحضرته وحضرة الرئيس نجادي لا تحتاج إلى تعليق فالعميل يفضحه خضوعه كما أن الصب تفضحه عيونه.
لم ينته الفصل الأخير من مسرحية الإنتخابات بعد رغم انه فصل ممل وسأم منه الجميع، فالمالكي أثبت ديمقراطيته الشفافة من خلال رفضه التنازل عن دور البطولة للنجم الصاعد إياد علاوي! يذكرنا موقفه بموقف سلفه الجعفري في التمسك بأرجل كرسي الحكم حتى الرمق الاخير. وان إلتفاف المالكي على نتائج الإنتخابات التي رجحت كفة قرينه علاوي بمهزلة قضائية لا تقل تفاهة عن مهزلة الإنتخابات جاءت لتعصف بحقيقة الديمقراطية الجوفاء التي رفع لوائها أذرع ملوثة بالإستبداد والإستعباد.
هناك أحزاب شيعية أخرى على الساحة العراقية ولكنها غير مؤثرة لسبب واضح، وهو إنها تؤمن بعراق موحد لا تفرقه الأديان والمذاهب. أحزاب شيعية ترتبط بروح العراق وأصالته وعروبته. تنطلق من العقل والتعقل ووحدة المصير والإلتزام بروابط الاخاء والرغبة في التقدم والرخاء, رأسمالها الأول والأخير وحدة الوطن والشعب. هدفها أن تتشابك الأيادي لا أن تتضارب, وتتوحد الأقدام في مسير واحدة لا أن تتفرق، أن تشد السواعد لبناء ما دمره العدوان وخربه الجيران. لكن مع الاسف أن سوقها راكدة وبضاعتها كاسدة فالشارع الشيعي لا يرغب بهكذا طروحات وطنية، والمراجع الكبرى تثقف عكس هذا التوجه الوطني الصحيح والمذهبي الصريح.
في الوقت الذي كان فيه المالكي والحكيم والصدر يمارسون التقيه السياسية بإظهار خلافاتهم السطحية وهم يعومون في أعماق التفاهم والتنسيق برعاية الولي الفقيه. كان رئيس القائمة العراقية أياد علاوي يسبح على جرف الشاطيء مطمئنا من السلامة وعدم المغامرة. وعندما أدرك أخيرا أن تشكيل الحكومة العراقية بيد إيران فقط! حاول أن يسبح إلى العمق لكنه تأخر كثيرا عن اللحاق بمنافسيه وإشدت الأمواج لإعاقته. مشكلة علاوي إنه فاز في الوقت الخطأ في المكان الخطأ على الشخص الخطأ فتشكلت من باقة هذه الأخطاء خطيئة ديمقراطية متكاملة.
"الزحمة خفت" فقد كانت أشبه بإختناق مروري مفتعل في تقاطع رئيسي ببغداد إنتهى بصافرة واحدة من الولي الفقيه. ويبدو إن الشيطان الأكبر راضي كل الرضا عن أفعال إبنه الشيطان الأصغر فلازم فضيلة السكوت. ومحاولات أياد علاوي من تعريب أو تدويل حقه الإنتخابي الضائع أمست زوبعة في فنجان ولا جدوى منها، فالحقائق مهدها الأرض وليس الخيال. وربما عملية الفرز الأخيرة ستكون الضربة القاصمة للقائمة العراقية. فنفوذ المالكي على المفوضية العليا ما يزال قويا في غضون وجود عناصر من حزبه في رئاسة المفوضية يمكن أن تغير إتجاه بوصلة التصويت. ستحاول المفوضية ان تعتذر للمالكي عن تقصيرها له بجعل أصواته على الأقل متعادلة مع منافسه علاوي، من خلال سخاء تصويتي لاحق بعد الفرز الجديد يعيد للمالكي إعتباره المثلوم، ويعيد للمفوضية سلطانها المهدد. سيما ان القضاء العراقي أثبت ولائه التام للحكومة مثله مثل قراد لاصق في مؤخرة حمار يعيش ويعتاش عليها دون أن يبالي بالقذارة والرائحة الكريهة التي تنبعث منها ومنه. فقد مارس القضاء المسيس سياسة الإجتثاث الإقصاء والإنتقاء لعدد من الكتل السياسية بطريقة خدمت الحكومة خدمة جليلة، فقد حدت من قوة منافسيها من جهة وأنهت البعض الآخر من جهة ثانية مخيبا في ذلك آمال العراقيين به أو بإصلاحه.
هذا هو الواقع العراقي الأليم بكل الحقائق المرة والمآسي المستمرة، الخاسر الوحيد هو الشعب! والمصيبة إنه يعرف بخسارته الرهان لكنه مستمر في رهانه على الفرس الأعرج. إنها الجهالة واللاوعي والطائفية والعنصرية واللاإنتماء والتعصب والإنقياد بعيون معصوبة وراء المراجع الأجنبية وتخاريفها ودجلها ومراوغاتها ومناوراتها.
شعب فقد لمعان حضارته. صدأ حاضره وتآكل مستقبله، سلبت إرادته وسلخت عنه عروبته. نزعت هويته وشوهت معالم دينه الحنيف. قتل أبناءه، وأغتصب رجاله ونسائه وشيوخه. سلبت ثرواته وبددت طاقاته. حرم من أبسط شروط العيش الكريم والشريف. ومع كل هذه المصائب والكوارث هرول لإنتخاب جلاديه!
إعطيني سبب واحد لإنتخاب هؤلاء الجلادين غير (الطائفية)؟ وسأكون لك ممتنا وسأنزوي جانبا في الركن وحيدا بكل همومي الثقيلة! ستتحير كما أتحير وغيري!
بطوفان من الدموع، وإعصار من الألم، وبركان من الحسرة، وزلازل من اليأس أقول متذمرا: هنيئا لإيران فريستها العراق بلحمه الطري الجديد والأخذ بثأرها من عدوها التأريخي. وهنيئا للمرجعية سمومها الفاعلة في الجسد العراقي فقد أوهنته وشلت فيه الحركة. وتعازينا الحارة للشعب العراقي ذو الأصابع البنفسجية. فهناك المزيد من إنجازات الموت والإرهاب والنهب والسلب والإغتصاب بإنتظاره على يد حكومته المنتخبة ومرجعيته الراشدة.
يقال "في النهاية لن يصح إلا الصحيح"! لكن بعد أي دورة إنتخابية سيصح هذا الصحيح؟ وكم تكون كلفته؟ ومن اي رصيد يدفع؟