هذا المقال حديث مباشر مع الناخب، وهو محاولة لرسم خارطة طريق قد ترشده لاختيار الافضل من بين آلاف المرشحين في الانتخابات البرلمانية القادمة، والتي ستجري، اذا قدر لها، في السابع من آذار القادم.
اولا: اياك ان تفكر بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات، لانك، بمثل هذا القرار، ستحرم نفسك من حق دستوري وقانوني ومن واجب شرعي ووطني لا يتكرر الا كل اربع سنوات.
كما انك، بمثل هذا القرار، ستحرم نفسك من فرصة المشاركة في التغيير المرجو، وربما ستساهم، بمثل هذا القرار، في وصول عناصر غير جيدة وغير نظيفة لتجلس تحت قبة البرلمان، تتحدث باسمك وتمثل ارادتك شئت ام ابيت، لان مجلس النواب لن يظل شاغرا من اعضائه، فاذا لم تنتخب انت من تجد فيه الكفاءة والنزاهة، فسينتخب غيرك نماذج قد لا تروق لك، وعندها فستتحمل المسؤولية امام ضميرك اولا، واما الناس والوطن الغالي ثانيا.
كلنا نعرف جيدا، بان التغيير في العراق، من الان فصاعدا، لا يتم الا من خلال صندوق الاقتراع فقط وفقط، ولذلك يجب ان نحرص على الوقوف عند عتبته كلما دعتنا المرحلة والاستحقاق الدستوري الى ذلك.
لقد تعلم السود هنا، في الولايات المتحدة الاميركية، هذا الدرس جيدا، ولذلك فعندما قرروا ان يغيروا بعض ملامح التمييز، من خلال السعي لايصال اسود الى البيت الابيض، قرروا ان يشاركوا في الانتخابات بكثافة، غيرت وجه البلاد.
فلقد كان السود هنا لا يعيرون للانتخابات اهمية تذكر ولسان حالهم، يشبه لسان حال العراقيين دائما وهو قولهم (ميفيد) اي لا يفيد، ولذلك فان نسبة مشاركاتهم في كل انتخابات الرئاسة الاميركية منذ تاسيس الولايات المتحدة الاميركية والى العام 2004 لم تتجاوز الـ (12%) في احسن الفروض، اما في الانتخابات الرئاسية الماضية فقد وصلت نسبة مشاركتهم الى (98%) او ربما يزيد، ما ساهم في ايصال صاحبهم الى البيت الابيض في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، فضلا عن ان النسبة العامة للمشاركة قدرت باكثر من (66%) وهي تقريبا ضعف نسبة اكبر مشاركة في تاريخ الولايات المتحدة.
الناخب العراقي اليوم قادر على ان يغير وجه العراق الجديد، ليس بمقاطعة الانتخابات او بالعزوف عن المشاركة، فان مثل هذا القرار سيكرس الخطا ولا يغير شيئا، بل بالمشاركة وبالتصميم الجاد على تغيير الوجوه، خاصة تلك المحروقة التي لا يمكن اصلاحها بكل مساحيق العالم، ولا يمكن تجميلها بكل عمليات التجميل، وانت، ايها الناخب، اعرف مني بها، كل في دائرته الانتخابية.
ثانيا: لا عليك بلافتات المرشحين، وصورهم وشعاراتهم ووعودهم، فانك اعرف بهم من انفسهم.
حتى الان، اطلعت شخصيا على الكثير من دعايات المرشحين فوجدتها نسخ مكررة طبق الاصل، فكلهم امل المواطن وصوته الذي لا يهدأ، وضميره الحي الذي لا ينام، وممثله الشرعي الوحيد، و...و...و...
اما حقيقتهم، فتجدها عند الناخب الذي عرف صدقهم من كذبهم، وحقيقتهم من غشهم، ولذلك يجب على الناخب ان لا يحدد خياراته بالاعتماد على الشعارات الانتخابية التي تصنع من المرشح ملاك نزل من السماء لينقذه، وانما يعتمد بذلك على ما عرفه ويعرفه عنهم طوال السنين السبع الماضية، بالخبرة والتجربة، والتي كانت كافية للكشف عن حقائق الناس ومعادن الرجال، خاصة من كان منهم بطل الشاشة بلا فائدة.
ثالثا: لقد اتاح نظام القائمة المفتوحة، للناخب العراقي الفرصة لتحديد خياراته على وجه الدقة، ولذلك، فان عليه ان يوظف هذه الاتاحة من اجل اختيار مرشحه المفضل تحديدا، بعيدا عن الهوس الاعلامي والدعاية الانتخابية والوان الصور والبوسترات التي لا طائل منها، فلقد اثبتت انتخابات مجالس المحافظات الماضية، ان الناخب كان قد ذهب الى صندوق الاقتراع وفي ذهنه اسم المرشح الذي سيصوت له ويؤشر على اسمه، من دون التاثر بالدعاية الانتخابية، بالرغم من الملايين التي صرفها المرشحون على الدعاية، ولذلك راينا كيف ان الناخب في تلك الانتخابات اهلك ملوكا واستخلف آخرين، عاقب مرشحين واثنى على آخرين، وان الذي فعلها مرة بامكانه ان يفعلها في كل مرة.
رابعا: لا تعط صوتك للقائمة، فان ذلك يمنحها الفرصة لتسمية المرشحين الذين تريدهم، وهم عادة الاقرب اليها بالولاء، الحزبي او الشخصي لا فرق، بل اعط صوتك لاسم المرشح تحديدا، لتساهم في فوزه بثقتك وليس بتزكية رئيس القائمة، ليدخل البرلمان بقوة ثقتك انت، وليس بفضل القائمة التي سيظل مدينا لها ما بقي جالسا تحت قبة البرلمان.
ان فوز مرشحين بثقة الناخب عبر صندوق الاقتراع، يساهم في ايصال نواب يتميزون برصيد شخصي مدعوم بثقة الشارع وليس بثقة الحزب او القائمة التي رشحته، وهذا ما يمنحه فسحة اكبر ليمثل ارادة الناخب وليس ارادة القائمة.
خامسا: لا تعط صوتك لاي مرشح كنت قد منحته ثقتك مرة ولم يف بوعوده لك، واذا كان قد خدعك مرة، فلا تدعه يخدعك مرة اخرى، ولقد قيل (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).
ان في الساحة آلاف مؤلفة من المرشحين، يمكنك ان تختار من بينهم واحدا لم يضحك على ذقنك في الماضي، وفي نفس الوقت خبرته وخبرت صدقه والتزامه بوعوده، فالدائرة الانتخابية في هذه الانتخابات صغيرة، وهي محافظتك فقط، ما يمكنك من التعرف واكتشاف المرشحين بصورة افضل وادق، وليس كما كان في المرة السابقة عندما كان العراق دائرة واحدة والقائمة مغلقة، اذ كان من الصعب على الناخب ان يختار، بل ان قانون الانتخابات كان قد سلب منه حق الاختيار اصلا، وانما فرض عليه، بنظام القائمة المغلقة، حزمة من الاسماء، عليه ان يؤشر عليها شاء ام ابى، فكان الناخب مكره وقتها وليس بطلا.
سادسا: تاسيسا على ما عرفته عن النواب الحاليين، الذين رشحوا انفسهم مرة اخرى، حاول ان لا تجدد الثقة لاحد منهم، لان (من جرب المجرب ندم) اليس كذلك؟ الا من خرج بدليل.
لقد وعدونا كثيرا، وانتظرنا اكثر، الا ان جل وعودهم، تبينت لنا فيما بعد، انها كانت على طريقة (وعد عرقوب) باللسان فقط.
ثم ان هؤلاء وظفوا ثقة الناخب لتشريع قرارات غير سليمة امنت لهم ولعوائلهم امتيازات استثنائية، ما يعني انهم غدروا بالناخب، فان مثلهم كمثل المحامي الذي يتخذه صاحب قضية عند القضاء ثم يمنحه حق التصرف بتحديد مرتب اتعابه، اذا به يسرق دفتر شيكات موكله ليكتب فيه رقما خياليا يفوق مقدار اتعابه.
كذلك، لا تنتخب وزيرا حاليا رشح نفسه للانتخابات، لانهم وزراء فاشلون حتى بشهادة رئيسهم، الا من خرج بدليل، وقليل ما هم، فكيف تسمح لنفسك ان تنتخب فاشلا مع سبق الاصرار؟.
اسع ايها الناخب الى ان تستبدل النواب في البرلمان الجديد، من خلال السعي لاختيار عناصر جديدة لم ترفع شعارات كاذبة ولم تتورط بالمال العام، ولم تستثري بفحش أوظلم، ولم تشارك في التصويت على قرارات نفعية وشخصية بعيدا عن المروءة والانصاف، ولم تسط على قوت الفقراء.
سابعا: قد تقول ايها الناخب ان صوتي واحد لا ينفع في عملية التغيير، واقول لك، بل ان صوتك امة، فلا تتصور بانك وحدك الذي يفكر بالتغيير فالى جانبك ملايين من العراقيين الذي يفكرون بنفس طريقة تفكيرك، اذا اجتمع صوتك الى اصواتهم فستفعلون المستحيل، وقديما قيل (ان السيل العرم تصنعه قطرات الماء) اما امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فيقول {اتحسب انك جرم صغير، وفيك انطوى العالم الاكبر}.
ثامنا: وقد يقول احدكم بان التغيير الجذري مستحيل، فمهما غيرنا من الوجوه، تبقى القوائم الكبيرة هي المسيطرة على المشهد، واقول:
الف: ان التغيير الجذري يبدا شيئا فشيئا، فلنساهم في هذه الانتخابات بانجاز تغيير ما، سيتراكم الى بعضه ليحقق التغيير العظيم، ولنتذكر بانه ليس منا من يمتلك عصا موسى السحرية ليضرب بها صندوق الاقتراع لينجز لنا تغييرا جذريا بين ليلة وضحاها.
باء: ثم لنتذكر بان المرشحين ليسوا ملائكة نزلوا علينا من السماء، وانما هم ابناء هذا البلد، ومن هذا الشعب، ولذلك ينبغي ان لا ننتظر منهم تغييرا جذريا، فيما لا زال الشعب يعاني من قصور في الوعي والثقافة والتغيير الذاتي، ولقد قيل ان (فاقد الشئ لا يعطيه) فكيف ننتظر من المرشحين ان يحققوا ما لم يحققه المجتمع باكمله، وهم نتاجه المباشر؟.
جيم: فضلا عن كل ذلك، فان الشعب العراقي لا يستشكل على القوائم بمقدار اشكاله على العناصر، وان مثل الناخب العراقي اليوم كمثل الناخب الاميركي الذي يعرف انه مخير بين مرشحين، بفتح الحاء، لا ثالث لهما، فاما ان يختار مرشح الحزب الجمهوري او ان يختار مرشح الحزب الديمقراطي، ولكنه عادة لا ينظر الى الهوية الحزبية للمرشح بمقدار ما ينظر الى الهوية الذاتية، السيرة الذاتية، للمرشح، طبعا بالاضافة الى برنامجه الانتخابي، والا لكنا قد شاهدناه يتمثل بقول العراقيين (ميفيد) كلما مرت الانتخابات، لان الهوية الحزبية للمرشحين، تتكرر كل اربع سنوات.
ان هذا النوع من الفهم والوعي الانتخابي، سيدفع بالقوائم مستقبلا الى ان ترشح افضل ما عندها من عناصر، وهو المطلوب.
تاسعا: استغرب من بعض الناخبين عندما يقول لي بانه لا يثق باحد من المرشحين، ولذلك، فسوف لن اشترك في الانتخابات، كيف؟ وان عددهم في كل دائرة انتخابية يصل الى المئات، هل يعقل ان الناخب لا يثق بواحد من ابناء مدينته يميزه من بين مئات المرشحين؟ هل يعقل ان كل ابناء مدينته سيئين ولا يصلحون لمنح الثقة؟.
عليك ايها الناخب ان تتحلى بقليل من الانصاف لتميز واحد من بين المئات لتمنحه ثقتك.
كذلك، عليك ان تقلل من سقف طموحك وتوقعاتك من النائب المفترض لتبادر الى اختيار من تراه الانسب من بين المئات، لنجر الملايين السبعة التي قاطعت الانتخابات المحلية فيما سبق، الى صندوق الاقتراع، لنشهد عملية التغيير المرجو، وانا به زعيم.
وللانصاف اقول، فان في جل القوائم الانتخابية تقريبا، مرشحون جديدون جيدون يستحقون الثقة، اتمنى على الناخب في كل دائرة انتخابية ان يبذل جهدا اضافيا لاكتشافهم اذا لم يكن قد حدد اسماءهم لحد الان.
عاشرا: واخير، لا تدع نعيق الغربان يؤثر على تصميمك الوطني، وعلى خياراتك الحاسمة، هذا النعيق الذي تسمعه ليل نهار من فضائيات العربان التي تمولها انظمة شمولية استبدادية بوليسية ووراثية، وباسلوب التباكي على الديمقراطية وهم الذين لم يقفوا طوال عمرهم امام صندوق اقتراع، الا ليؤشروا فقط لا غير على عبارة (نعم) للقائد الضرورة او الملك المفدى او الامير فلتة زمانه.
لو صدق هؤلاء بما يقولون، لوفروا جهدهم من اجل اقامة نظام ديمقراطي في بلدانهم، ولما علا عويلهم بوجه العراق والعراقيين.