بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده ونستعينة ونستهدية ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدية الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك إله وأشهد أن محمد عبده ورسوله بلغ الرسالة وأداء الأمانة ونصح ألامة وجاهد في الله حق جهادة حتى آتا اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبة أجمعين أما بعد
{يا أيُّهاَ الّذِينَ آمَنُواْ اْتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأنتُم مَّسلِموُنَ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ* لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
أخي المسلم
اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل:
الأولى: العلم، وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
الثانية: العمل به.
الثالثة: الدعوة إليه.
الرابعة:الصبر على الأذى فيه.
والدليل قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ).
وقال البخاري رحمه الله تعالى: ( باب العلم قبل القول والعمل، والدليل قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ [محمد:19]. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ).
اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة، تعلم هذه الثلاث مسائل، والعمل بهن:
الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.
والدليل قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً [المزمل:16،15].
الثانية: أن الله لا يرضي أن يُشرك معه أحد في عبادته لا ملَك مقرب ولا نبي مرسل.
والدليل قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18].
الثالثه: أن من أطاع الرسول ووحّد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب.
والدليل قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم، أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعْبُدُوِن [الذاريات:56]، ومعنى ِيَعْبُدُوِن يوحدون، وأعظم ما أمر الله به: التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة وأعظم ما نهى عنه: الشرك، وهو دعوة غيره معه.
والدليل قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّه وَلاَ تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً [النساء:36].
فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟
فقل: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-.
الأصل الأول: معرفة الرب:
فإذا قيل لك:من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه.
والدليل قوله تعالى: الحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْن [الفاتحة:2] وكل من سوى الله عالم، وأنا واحد من ذلك العالم.
فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السموات السبع، والأرضون السبع، ومن فيهن وما بينهما.
والدليل قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37]، وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54].
والرب هو: المعبود.
والدليل قوله تعالى: يَأيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا ربَّكُمُ الذَِّي خَلَقَكُم وَالذِّينَ مِن قَبلكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ(21) الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرضَ فِرَاشًا وَالسَّمآءَ بِنآءً وَأنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَاَءً فَأخرَجَ بِهِ مِن الثَّمراتِ رِزقًا لّكُم فَلاَ تَجعَلُواْ لَلَّهِ أندَادًا وَأنتُم تَعَلُمونَ [البقرة:22،21].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ( الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة ).
وأنواع العبادة التي أمر الله بها، مثل الإسلام، والإيمان، والإحسان، ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها، كلها.لله تعالى
والدليل قوله تعالى: وَأنَّ المَسَاجِد لِلَّهِ فَلا تَدعُوا مَعَ اللَّهِ أحَداً [الجن:18].
فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر.
والدليل قوله تعالى: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117].
وفي الحديث: { الدعاء مخ العبادة }.
والدليل قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].
ودليل الخوف قوله تعالى: فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:175].
ودليل الرجاء قوله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110].
ودليل التوكل قوله تعالى: وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:23]، وقوله: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3].
ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
ودليل الخشية قوله تعالى: فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [البقرة:150].
ودليل الاستعاذه قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1].
ودليل الاستغاثة قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9].
ودليل الذبح قوله تعالى( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ) (1) (الأنعام:الآية162-163)ومن السنة { لعن الله من ذبح لغير الله }.
ودليل النذر قوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً [الإنسان:7].
الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالإدلة
وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وكل مرتبة لها أركان.
المرتبة الأولى:
فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.
فدليل الشهادة قوله تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18].
ومعناها: لا معبود بحق إلا الله وحده (لا إله) نافياً ما يعبد من دون الله.
(إلا الله) مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه ليس له شريك في ملكه.
وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28].
وقوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].
ودليل شهادة أن محمداً رسول الله قوله تعالى: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128].
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
ودليل الصيام قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ َ [البقرة:183].
ودليل الحج قوله تعالى: ولِلَّهِ عَلَى الناسِ حِجُّ البَيِت مِنَ استَطَاعَ إلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإنَّ الَّلهَ غَني عِن العَالَمِينَ [آل عمران:97].
المرتبة الثانية:
الإيمان: وهو بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.
وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره شره.
والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177].
ودليل القدر قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].
المرتبة الثالثة:
الإحسان: ركن واحد، وهو: ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).
والدليل قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل:128]. وقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء:217 ـ220]. وقوله تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس:61]. والدليل من السنة: حديث جبريل المشهور عن ابو سعيد -رضي الله عنه- قال: ( بينا نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، فجلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقا ل: يا محمد أخبرني عن الإسلام. قال: { أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا }. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: أخبرني عن الإيمان. قال: { أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره } قال: أخبرني عن الإحسان. قال: { أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك } قال أخبرني عن الساعة. قال: { ما المسؤول عنها بأعلم من السائل }. قال: أخبرني عن أماراتها. قال: { أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان } قال: فمضى. فلبثنا ملياً. فقال: { يا عمر أتدرون من السائل } قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: { هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم }.
الأصل الثالث: معرفة نبيكم عليه الصلاة والسلام
وهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم. وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبياً رسولاً. نبىء بـ اقْرَأْ وأرسل بـ الْمُدَّثِّرُ . وبلده مكة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد. والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:1ـ7].
ومعنى قُمْ فَأَنذِرْ ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ عظمه بالتوحيد وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ أي طهر أعمالك من الشرك وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ الرجز: الأصنام، وهجرها تركها وأهلها والبراءة منها وأهلها، أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة.
والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة: والدليل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً النساء:97 ـ99]. وقوله تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت:56].
قال البغوي رحمه الله: ( سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يهاجروا، ناداهم الله باسم الإيمان ).
والدليل على الهجرة من السنة قوله -صلى الله عليه وسلم- : { لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها }.
فلما استقر في المدينة، أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة، والصوم، والحج، والأذان، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام. أخذ على هذا عشر سنين، وبعدها توفي، صلاة الله وسلام عليه، ودينه باقٍ.
وهذا دينه لا خير إلا دله الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، والخير الذي دلها عليه: التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه. والشر الذي حذرها منه: الشرك وجميع ما يكره الله ويأباه، بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس.
والدليل قوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158]. وكمل الله به الدين.
والدليل قول تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3].
والدليل على موته -صلى الله عليه وسلم- قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:31،30].
والناس إذا ماتوا يبعثون، والدليل قوله تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]. وقوله تعالى: وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً [نوح:18،17]. وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم.
والدليل قول تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]. ومن كذب بالبعث كفر.
والدليل قوله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7]. وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين.
والدليل قوله تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] وأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو خاتم النبيين.
والدليل على أن أولهم نوح قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ [النساء:163].
وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت.
والدليل قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]. وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله.
قال ابن القيم رحمه الله: ( معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع ).
والطواغيت كثيرون، رؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله.
والدليل قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْد مِن الْغَي فَمَن يَكْفُرْ بالطَّاغُوت وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انَفِصَام لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256]. وهذا هو معنى ( لا إله إلا الله ).
وفي الحديث: { رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله }.
والله أعلم... تمت الأصول الثلاثة
كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .
أما بعد : فهذه كلمات موجزة في بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، أردت تقديمها إلى كل مسلم ومسلمة ليجتهد كل من يطلع عليها في التأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) [1] رواه البخاري ، وإلى القارئ بيان ذلك :
1 - يسبغ الوضوء ، وهو أن يتوضأ كما أمره الله ؛ عملا بقوله سبحانه وتعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ[2] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) [3] وقوله صلى الله عليه وسلم للذي أساء صلاته : ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء...)) [4]
2 - يتوجه المصلي إلى القبلة وهي الكعبة أينما كان بجميع بدنه قاصدا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة ، ولا ينطق بلسانه بالنية ، لأن النطق باللسان غير مشروع لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية ولا أصحابه رضي الله عنهم ، ويجعل له سترة يصلي إليها إن كان إماما أو منفردا ، واستقبال القبلة شرط في الصلاة إلا في مسائل مستثناة معلومة موضحة في كتب أهل العلم .
3- يكبر تكبيرة الإحرام قائلا الله أكبر ناظرا ببصره إلى محل سجوده .
4 - يرفع يديه عند التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه .
5- يضع يديه على صدره ، اليمنى على كفه اليسرى لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
6- يسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح وهو : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد . . وإن شاء قال بدلا من ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا الله غيرك ، وإن أتى بغيرهما من الاستفتاحات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس ، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة لأن ذلك أكمل في الاتباع ، ثم يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ويقرأ سورة الفاتحة لقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) [5] ويقول بعدها آمين جهرا في الصلاة الجهرية ، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن .
7- يركع مكبرا رافعا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه جاعلا رأسه حيال ظهره واضعا يديه على ركبتيه مفرقا أصابعه ويطمئن في ركوعه ويقول : سبحان ربي العظيم ، والأفضل أن يكررها ثلاثا أو أكثر ويستحب أن يقول مع ذلك : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي .
8- يرفع رأسه من الركوع رافعا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلا : سمع الله لمن حمده إن كان إماما أو منفردا ، ويقول حال قيامه : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ، أما إن كان مأموما فإنه يقول عند الرفع : ربنا ولك الحمد إلى آخر ما تقدم ، ويستحب أن يضع كل منهما - أي الإمام والمأموم - يديه على صدره كما فعل في قيامه قبل الركوع لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل ابن حجر وسهل بن سعد رضي الله عنهما .
9- يسجد مكبرا واضعا ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك ، فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه مستقبلا بأصابع رجليه ويديه القبلة ضاما أصابع يديه ويسجد على أعضائه السبعة : الجبهة مع الأنف ، واليدين ، والركبتين ، وبطون أصابع الرجلين . ويقول : سبحان ربي الأعلى ، ويكرر ذلك ثلاثا أو أكثر ، ويستحب أن يقول مع ذلك : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ، ويكثر من الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) [6] ويسأل ربه من خير الدنيا والآخرة سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا ، ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويرفع ذراعيه عن الأرض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)) [7]
10 - يرفع رأسه مكبرا ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويضع يديه علو فخذيه وركبتيه ويقول : رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني واجبرني ، ويطمئن في هذا الجلوس .
11- يسجد السجدة الثانية مكبرا ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى .
12- يرفع رأسه مكبرا ويجلس جلسة خفيفة كالجلسة بين السجدتين وتسمى جلسة الاستراحة ، وهي مستحبة وإن تركها فلا حرج وليس فيها ذكر ولا دعاء ثم ينهض قائما إلى الركعة الثانية معتمدا على ركبتيه إن تيسر ذلك وإن شق عليه اعتمد على الأرض ، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى .
13- إذا كانت الصلاة ثنائية أي ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصبا رجله اليمنى مفترشا رجله اليسرى واضعا يده اليمنى على فخذه اليمنى قابضا أصابعه كلها إلا السبابة فيشير بها إلى التوحيد وإن قبض الخنصر والبنصر من يده وحلق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسن لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وركبته ، ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس وهو : ( التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم يقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ) ، ويستعيذ بالله من أربع فيقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ، ثم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة ، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود لما علمه التشهد : ((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)) [8] وفي لفظ آخر : ((ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء)) [9] وهذا يعم جميع ما ينفع العبد في الدنيا والآخرة ، ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلا : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله .
14 - إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء فإنه يقرأ التشهد المذكور آنفا مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ينهض قائما معتمدا على ركبتيه رافعا يديه إلى حذو منكبيه قائلا : الله أكبر ويضعهما - أي يديه - على صدره كما تقدم ويقرأ الفاتحة فقط وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، وإن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأول فلا بأس لأنه مستحب وليس بواجب في التشهد الأول ، ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء كما تقدم ذلك في الصلاة الثنائية ثم يسلم عن يمينه وشماله ويستغفر الله ثلاثا ويقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، ويسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمده مثل ذلك ويكبره مثل ذلك ويقول تمام المائة لا الله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، ويقرأ أية الكرسي وقل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة ، ويستحب تكرار هذه السور ، الثلاث ثلاث مرات بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب لورود الأحاديث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة ، ويشرع لكل مسلم ومسلمة أن يصلي قبل الظهر أربع ركعات وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل صلاة الفجر ركعتين ، الجميع اثنتا عشرة ركعة وهذه الركعات تسمى الرواتب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليهما في الحضر ، أما في السفر فكان يتركها إلا سنة الفجر والوتر فإنه كان عليه الصلاة والسلام يحافظ عليهما حضرا وسفرا ، والأفضل أن تصلى هذه الرواتب والوتر في البيت ، فإن صلاها في المسجد فلا بأس لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) [10]والمحافظة على هذه الركعات من أسباب دخول الجنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعا بنى الله له بيتا في الجنة)) [11] رواه مسلم في صحيحه . وإن صلى أربعا قبل العصر ، واثنتين قبل صلاة المغرب ، واثنتين قبل صلاة العشاء فحسن لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك ، وإن صلى أربعا بعد الظهر وأربعا قبلها فحسن لقوله صلى الله عليه وسلم : ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى على النار)) [12] رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن أم حبيبة رضي الله عنها . والمعنى أنه يزيد على السنة الراتبة ركعتين بعد الظهر لأن السنة الراتبة أربع قبلها وثنتان بعدها . فإذا زاد ثنتين بعدها حصل ما ذكر في حديث أم حبيبة رضي الله عنها . والله ولي التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم أن يرينا الحق حق ويرزقنا أتباعة ويرينا الباطل باطل ويرزقنا أجتنابه